من يوثق بنقله. الثالث أن لفظة التأبيد لا تدل على الدوام قطعا فإنها قد وردت في التوراة لغير الدوام كما في العبد أنه يستخدم ست سنين ثم يعرض عليه العتق في السابعة فإن أبى العتق ثقبت أذنه واستخدم أبدا وفي موضع آخر يستخدم خمسين سنة. وأمروا في البقرة التي كلفوا بذبحها أن يكون لهم ذلك سنة أبدا ثم انقطع تعبدهم بها. وفي التوراة قربوا إلى كل يوم خروفين خروف غدوة وخروف عشية بين المغارب قربانا دائما لاحقا بكم وانقطع تعبدهم به وإذا كان التأبيد في هذه الصور لا يدل على الدوام انتفت دلالته هنا قطعا. أقصى ما في الباب أنه يدل ظاهرا لكن ظواهر الألفاظ قد تترك لوجود الأدلة المعارضة لها.
قال : والسمع دل على عموم نبوته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أقول : ذهب قوم من النصارى إلى أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلممبعوث إلى العرب خاصة والسمع يكذب قولهم هذا قال الله تعالى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) وقال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) وسورة الجن تدل على بعثه عليهالسلام إليهم وقال عليهالسلام (بعثت إلى الأسود والأحمر) لا يقال كيف يصح إرساله إلى من لا يفهم خطابه وقد قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)؟ لأنا نقول لا استبعاد في ذلك بأن يترجم خطابه لمن لا يفهم لغته مترجم وليس في الآية أنه تعالى ما أرسل رسولا إلا إلى من يفهم لسانه وإنما أخبر بأنه ما أرسله إلا بلسان قومه وجوز قاضي القضاة في يأجوج ومأجوج احتمالين : أحدهما أن لا يكونوا مكلفين أصلا وإن كانوا مفسدين في الأرض كالبهائم المفسدة في الأرض. والثاني أن يكونوا مكلفين وقد بلغتهم دعوته عليهالسلام بأن يقربوا من الأمكنة التي يسمعون فيها كلام من هو وراء السد وجوز بعض الناس أن يكون في بعض البقاع من لم تبلغه دعوته عليهالسلام فلا يكون مكلفا بشريعته. وعندي أن المراد بذلك إن كان عدم تكليفهم مطلقا سواء بلغتهم بعد ذلك الدعوة أم لا فهو باطل قطعا لما بينا من عموم نبوته عليهالسلام ، وإن كان المراد أنهم غير مكلفين ما داموا غير عالمين فإذا بلغتهم الدعوة صاروا مكلفين بها فهو حق.