لأن النسخ باطل إذ المنسوخ إن كان مصلحة قبح النهي عنه وإن كان مفسدة قبح الأمر به وإذا بطل النسخ لزم القول بدوام شرع موسى عليهالسلام. وتقرير الجواب أن نقول الأحكام منوطة بالمصالح والمصالح تتغير بتغير الأوقات وتختلف باختلاف المكلفين فجاز أن يكون الحكم المعين مصلحة لقوم في زمان فيؤمر به ، ومفسدة لقوم في زمان آخر فينهى عنه.
قال : وقد وقع حيث حرم على نوح بعض ما أحل لمن تقدمه وأوجب الختان بعد تأخيره وحرم الجمع بين الأختين وغير ذلك من الأحكام.
أقول : هذا تأكيد لإبطال قول اليهود المانعين من النسخ فإنه بين أولا جواز وقوعه وهاهنا بين وقوعه في شرعهم وذلك في مواضع منها أنه قد جاء في التوراة أن الله تعالى قال لآدم وحواء عليهماالسلام قد أبحت لكما كلما دب على وجه الأرض فكانت له نفس حية. وورد فيها أنه قال لنوح عليهالسلام خذ معك من الحيوان الحلال كذا ومن الحيوان الحرام كذا فحرم على نوح عليهالسلام بعض ما أباحه لآدم عليهالسلام. ومنها أنه أباح نوحا عليهالسلام تأخير الختان إلى وقت الكبر وحرمه على غيره من الأنبياء. وأباح إبراهيم عليهالسلام تأخير ختان ولده إسماعيل عليهالسلام إلى حال كبره وحرم على موسى عليهالسلام تأخير الختان عن سبعة أيام. ومنها أنه أباح آدم عليهالسلام الجمع بين الأختين وحرمه على موسى عليهالسلام.
قال : وخبرهم عن موسى عليهالسلام بالتأبيد مختلق ومع تسليمه لا يدل على المراد قطعا.
أقول : إن جماعة اليهود جوزوا وقوع النسخ عقلا ومنعوا من نسخ شريعة موسى عليهالسلام وتمسكوا بما روي عن موسى عليهالسلام أنه قال تمسكوا بالسبت أبدا والتأبيد يدل على الدوام ودوام الشرع بالسبت ينفي القول بنبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والجواب من وجوه : الأول أن هذا الحديث مختلق ونسب إلى ابن الراوندي. الثاني لو سلمنا نقله لكن اليهود انقطع تواترهم لأن بخت نصر استأصلهم وأفناهم حتى لم يبق منهم