المستقبل لأن ترك العزم يكشف عن نفي الندم وهي واجبة بالإجماع لكن اختلفوا فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنها تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر أو المظنون فيها ذلك ولا يجب من الصغائر المعلوم منها أنها صغائر. وقال آخرون إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل. وقال آخرون إنها تجب من كل صغير وكبير من المعاصي أو الإخلال بالواجب سواء تاب عنها قبل أو لم يتب. وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين : الأول أنها دافعة للضرر الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب. الثاني أنا نعلم قطعا وجوب الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إذا عرفت هذا فنقول إنها تجب عن كل ذنب لأنها تجب من المعصية لكونها معصية ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك وهذا عام في كل ذنب وإخلال بواجب.
قال : ويندم على القبيح لقبحه وإلا انتفت وخوف النار إن كان الغاية فكذلك وكذا الإخلال.
أقول : يجب على التائب أن يندم على القبيح لقبحه وأن يعزم على ترك المعاودة إليه إذ لو لا ذلك انتفت التوبة كمن يتوب عن المعصية حفظا لسلامة بدنه أو لعرضه بحيث لا ينثلم عند الناس فإن مثل هذا لا يعد توبة لانتفاء الندم فيه. وأما التائب خوفا من النار فإن كان الخوف من النار هو الغاية في توبته بمعنى أنه لو لا خوف النار لم يتب فكذلك أي لا يصح منه التوبة لأنها ليست توبة عن القبيح لقبحه فجرى مجرى طالب سلامة البدن وإن لم يكن هو الغاية بأن يندم عليه لأنه قبيح وفيه عقاب النار ولو لا القبح لما ندم عليه وإن كان فيه خوف النار صحت توبته وكذا الإخلال بالواجب إن ندم عليه لأنه إخلال بواجب وعزم على فعل الواجب في المستقبل لأجل كونه إخلالا بواجب فهي توبة صحيحة وإن كان خوفا من النار أو من فوات الجنة فإن كان هو الغاية لم تصح توبته وإلا كانت صحيحة ولهذا إن المسيء لو اعتذر إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان لم يقبل العقلاء عذره.