واعلم أنه حكى عن مالك وأحمد بن حنبل بل الشافعي وجميع أصحاب الحديث ، النهي عن علم الكلام. وقالوا : إنّه بدعة. فكان هذا العلم في الصدر الأوّل عند المتشرّعين بمنزلة الفلسفة في العصر الأخير. وقد أفرط في ذلك كثير ممّن تأخّر كابن حزم وابن تيمية والمتعصّبين لمذهب السلف من بعده حتّى انهم ينكرون التلفّظ بمصطلحات علم الكلام كالجسم والجوهر والعرض والتحيّز والمكان وأمثال ذلك.
والحقّ أن تقييد فكر الإنسان بغلّ الجمود خلاف فطرة الله تعالى التي خلق الناس عليها. وكما لم يتوقّف النحو والعروض والأدب ، بل اصطلاح المحدّثين والقرّاء على ما كان عليه السلف بل زاد وتفنّن وتفرّق كذلك اصطلاح الكلام والاصول.
قالوا : لم يبحث السّلف عن الصفات وأنّه عين ذاته أو غيره ، ولم يتكلّموا في أنّه تعالى جسم أو جوهر أو متحيّز أو علة تامة أو ناقصة ، وليس في كلامهم هيولى وصورة ولا نفس وامثال ذلك.
نقول : كما أنّهم لم يبحثوا عن أسناد الحديث أنّه مسلسل أو مرفوع أو مقطوع أو مرسل ، ولم يتكلّموا في موانع صرف الاسم أنّها تسع ، ولم يتكلّموا في تواتر القراءات والاكتفاء بالسبع أو العشر. بل لم نر لفظ التجويد في كلام السلف ، ولا أقسام الوقف التّام والكافي. فاذا جازت زيادة الاصطلاح في ذلك جاز في الكلام والاصول. إلّا أن يقال : إنّ ذاك سهل نفهمه ، والكلام أو الاصول دقيق لا نفهمه ، فالايراد على قصور الفهم لا على المعنى. ولم نر في أمّة ولا طائفة من يجوّز أن يجتمع سفهاؤهم ويمنعوا عقلائهم عن التدبّر في امور لا يفهمونها ، ولم يوجب أحد أن يكون الكلام والفكر منحصرا فيما يفهمه جميع الناس من العامّة والخاصّة لأن في ذلك إبطالا لجميع العلوم.
ونظير ذلك الأخباريّون منّا فإنّهم يستبشعون اصطلاحات الاصول كالاستصحاب وأصل البراءة ، ولا يستبشعون المناولة والوجادة والمدابجة في اصطلاح المحدّثين مع أنّها لم تكن معهودة بين أصحاب الأئمة عليهمالسلام. هذا ما افاده الاستاذ العلّامة الشعراني ـ قدسسره ـ في تعليقته على شرح الكافي للمولى صالح المازندرانى (ج ٣ ص ١٩٨ ط ١).
قوله : اكرم المسئولين ، ٢٠ / ٤
وفي (م) وحدها : اكرم مسئول ، بالافراد.
قوله : وسميته بتجريد الاعتقاد ، ٢٠ / ٨
وفي (م) : ووسمته. قد تقدم كلامنا حول التجريد في تبصرة آخر المقدمة فراجع. ثم يعاضد