وأمّا العقل الصرف فنسبته إلى جميع أشخاص النوع واحدة ، ولا بدّ لكلّ شخص من حافظ لوحدته واتصاله ، فهو إذن ليس إلّا النفس.
وأيضا لو لم تكن القوّة النفسانية موجودة في أشخاص الأجرام ، ومن طبيعتها السيلان والفناء ، لبادت إذن وهلكت ؛ إذ لا بدّ للعقل الصرف من جهات ليتخصّص بالنسبة إلى الجزئيات ، وليست سوى الأنفس.
وأيضا الأرض الّتي هي أكثف الأجسام وأبعدها عن ينبوع الوجود والحياة ، تنمو وتنبت الكلأ ، وتنبت الجبال ، فإنها نبات أرضي ، وفي داخل الجبال حيوانات كثيرة ، ومعادن ، فلو لم تكن ذات نفس لما تفعل هذه الأفاعيل العجيبة العظيمة ؛ إذ النفس الأرضية هي الّتي تتحرك في الجوهر فتصير نفسا نباتية ، هذا محصّل كلامه.
وصل
فظهر أن لكلّ شيء ملكوتا ، وأن لكلّ شهادة غيبا ، وما من شيء في هذا العالم إلّا وله قوّة روحانية من عالم آخر ، وهي المسماة في لسان الشرع ب «الملك» ، ولكلّ شيء حياة باعتباره ، وتسبيح لصانعه عزوجل ، وأحسن (١) شيء إلّا يسبّح بحمده (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢).
__________________
(١) ـ هكذا في المخطوطة ، ولعل الصواب : وما من.
(٢) ـ سورة يس ، الآية ٨٣.