مفاتيح الغيب الّتي لا يعلمها إلّا هو ، وإليها أشار نبيّنا صلىاللهعليهوآله في دعائه ، بقوله : «أو استأثرت به في علم غيبك» (١).
فمفاتيح الغيب هي الممتنعات الّتي لا سبيل للعقل إليها أصلا ، وأمّا الممتنعات الّتي يفرضها العقل ، كشريك الباري ، واجتماع النقيضين ، وأمثال ذلك ، فهي أمور متوهّمة ينتجها العقل المشوب بالوهم ، وعلمه سبحانه إنّما يتعلّق بها من حيث علمه بالعقل ، والوهم ، وما يلزمهما ممّا لا وجود له ، ولا عين ، من دون أن يكون لها ذوات في العلم ، أو صور أسمائية ، وإلّا يلزم الشريك في نفس الأمر ، والوجود.
ومن هنا قيل : لم يكن ثمة شريك أصلا ، بل هو لفظ ظهر تحته العدم المحض ، فأنكرته المعرفة بتوحيد الله الوجودي ، فيسمى منكرا من القول وزورا.
أصل
كل حقيقة ممكنة الوجود وإن كانت باعتبار ثبوتها في الحضرة العلمية أزلا وأبدا ، ما شمّت رائحة الوجود ، لكن باعتبار مظاهرها الخارجية كلها موجودة وليس شيء منها باقيا في العلم ، بحيث لم توجد بعد ؛ لأنها بلسان استعداداتها طالبة للوجود العيني ، فلو لم يعط الواهب الجواد وجودها ، لم يكن الجواد جوادا ، ولو أوجد بعضها دون بعض مع أنها كلّها طالبة للوجود ، يكون ترجيحا بلا مرجّح ، وأفرادها لتوقّفها بأزمانها الّتي يعلمها الحق وقوعها فيها
__________________
(١) ـ البلد الأمين : ٣٦٥ ، دعاء قاف ، وفيه «علم الغيب عندك» بدل «غيبك».