فقال له ما قالته الممكنات ، وما تحاورت فيه الأسماء ، فقال : اخرج ، وقل لكلّ واحد من الأسماء يتعلّق بما تقتضيه حقيقته في الممكنات ، فإنّ الواحد لنفسي ، والممكنات إنّما تطلب مرتبتي ، وتطلبها مرتبتي ، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة لالي ، إلّا الواحد خاصة ، وهو اسم خصيص لا تشاركني في حقيقته من كلّ وجه ، لا من الأسماء ، ولا من المراتب ، ولا من الممكنات.
فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتكلّم يترجم عنه الممكنات ، وحكم العالم ، فلما ظهرت الأعيان والآثار في الأكوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما يستند إليه من الأسماء ، فأدى إلى منازعة وخصام ، فقالوا : إنا نخاف علينا أن يفسد نظامنا ، ونلحق بالعدم الّذي كنّا فيه ، فنبهت الممكنات الأسماء بما ألقى إليها الاسم العليم والمدبّر ، وقالوا : أنتم أيها الأسماء لو كان حكمكم على ميزان معلوم ، وحدّ مرسوم ، بإمام ترجعون إليه ، يحفظ علينا وجودنا ، ونحفظ عليكم تأثيراتكم فينا ، لكان أصلح لنا ولكم ، فالجأوا إلى الله عسى يقدّم من يحدّ لكم حدّا تقفون عنده ، وإلّا هلكنا ، وتعطّلتم.
فقالوا : هذه عين المصلحة ، وعين الرأي. ففعلوا ذلك ، فقالوا : إنّ الاسم المدبّر ينهي أمركم ، فأنهوا إلى المدبّر الأمر ، فقال : أنا لها ، فدخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الربّ ، وقال له : افعل ما تقتضيه المصلحة في بقاء أعيان هذه الممكنات ، فاتّخذ وزيرين يعينانه على ما أمر به الوازر ، أحدهما الاسم المدبّر ، والآخر المفصّل ، قال تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (١) ، الّذي هو الإمام.
فانظر ما أحكم كلام الله تعالى حيث جاء بلفظة مطابقة للحال الّذي ينبغي
__________________
(١) ـ سورة الرعد ، الآية ٢.