واحد واحد من مظاهره أنّه هو ، كما لا يصدق على كلّ واحد واحد أنّه الكل ، فافهم ، فإنّه دقيق ، واحفظ ، فإنّه نافع.
وفي هذا قيل :
كل شيء فيه معنى كلّ شيء |
|
فتفطّن واصرف الذهن إليّ |
كثرة لا تتناهى عددا |
|
قد طوتها وحدة الواحد طيّ |
أصل
ثم هذا الظهور والتعيّن الموجود المنبسط أيضا لا يجوز أن يتعدّد في المرتبة الأولى ، بل لا بدّ وأن يكون على ترتيب ؛ لأنّه أيضا بسيط أحدي ، فلو اقتضى ذاته في مرتبة ذاته تعيّنين ـ مثلا ـ لتعدد جهة اقتضائهما ؛ ضرورة تغاير اقتضاء شيء لشيء ؛ لاقتضائه لآخر ، وننقل الكلام في الجهتين ، ويلزم التكثّر في الذات لا محالة.
فأوّل فيضه تعالى من حيث التفضيل ـ أيضا ـ أمر وحداني ، كما قال سبحانه : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (١) ، ولا يجوز أن يكون ذلك عرضا ، ولا صورة ؛ لتأخّرهما عن الموضوع والمادّة ، ولا مادّة ؛ لتقوّمها بالصورة ، ولا جسما ؛ لتركّبه ، ولا نفسا ؛ لتقوّمها في تشخّصها وفاعليتها بالمادّة.
فإذن هو جوهر مفارق الوجود والتأثير عن المادّة ، فهو العقل ، فأول ما خلق الله العقل ، وهو ملك مقرّب ، ليس خلق أقرب إلى الله سبحانه ، ولا أحبّ
__________________
(١) ـ سورة القمر ، الآية ٥٠.