والترتيب الواجب ، ليس شيء منها ببخت واتفاق ، بل كلّ بحكمة وتدبير (١).
وإذا كان هذا هكذا فمن نظر إلى الأسباب القريبة للفعل ورآها مستقلة قال بالقدر والتفويض ، أي تكون أفاعيلنا واقعة بقدرتنا ، مفوّضة إلينا ، والله سبحانه أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه ، وأعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد.
ومن نظر إلى السبب الأوّل وقطع النظر عن الأسباب القريبة مطلقا ، قال بالجبر والاضطرار ، ولم يفرق بين أعمال الإنسان وأعمال الجمادات ، والله تعالى أعدل من أن يجبر خلقه ثمّ يعذّبهم ، وأكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون ، فكلاهما أعور لا يبصر بإحدى عينيه.
أما القدرية فبالعين اليمنى ، أي النظر الأقوى الّذي به يدرك الحقائق والأسباب القصوى للأشياء ، كالدجّال حيث يقول : أنا ربّكم الأعلى.
وأمّا الجبرية فباليسرى ، أي الأضعف الّذي به يدرك الظواهر والأسباب القريبة ، كإبليس حيث قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) (٢).
وأمّا من نظر حق النظر فقلبه ذو عينين ، يبصر الحق باليمنى ، فيضيف الأعمال كلها إليه (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٣) ، ويبصر الخلق باليسرى ، فيثبت تأثيرهم في الأعمال ، ذلك بما كسبت يداك ، لكن بالله سبحانه ، لا بالاستقلال ، لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، فيتحقق بمعنى قول مولانا الصادق عليهالسلام : «لا جبر ، ولا
__________________
(١) ـ أنظر : إحياء علوم الدين : ١٣ : ١٧٦.
(٢) ـ سورة الحجر ، الآية ٣٩.
(٣) ـ سورة النساء ، الآية ٧٨.