تفويض ، بل أمر بين أمرين» (١) ، فتذهّب به ، وذلك الفوز الكبير.
هذه طريقة أهل العقل والنظر ، القريبة من الأفهام ، وترتقي إلى طريقة أخرى أعلى وأتمّ هي طريقة أهل الكشف والشهود ، وهي أقرب إلى التحقيق ، وإن كانت أبعد من الأفهام.
أصل
قد دريت أن الموجودات ـ على تفاوتها وترتبها في الشرف الوجودي ، وتخالفها في الذوات والأفعال ، وتباينها في الصفات ـ تجمعها حقيقة واحدة إلهية ، جامعة لجميع حقائقها ، ودرجاتها ، وطبقاتها ، مع أن تلك الحقيقة في غاية البساطة والأحدية ، ينفذ نوره في أقطار الجميع ، فكما أنّه ليس شأن إلّا وهو شأنه ، فكذلك ليس فعل إلّا وهو فعله ، ولا حكم إلّا له ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ، يعني كلّ حول حوله ، وكل قوّة قوته ، مع علوّه وعظمته ، فهو مع علوّه وعظمته ينزل منازل الأشياء ، ويفعل فعلها ، كما أنّه مع تجرّده وتقدّسه عن جميع الأكوان لا تخلو منه أرض ولا سماء ، كما قال إمام الموحدين : «مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة» (٢).
فنسبة الفعل والإيجاد إلى العبد صحيح ، كنسبة الوجود والتشخّص إليه من الوجه الّذي ينسب إليه تعالى ، فكما أن وجود زيد بعينه أمر متحقق في الواقع ، وهو شأن من شؤون الحق الأوّل ، ولمعة من لمعات وجهه ، فكذلك هو فاعل لما
__________________
(١) ـ الكافي : ١ : ١٦٠ ، ح ١٣ ، وفي بعض المصادر «ولكن» بدل «بل».
(٢) ـ نهج البلاغة : ٤٠ ، خطبة رقم «١».