وصل
وكما أن الأشياء الداخلة في وجود الإنسان ، كالعلم ، والقدرة ، والإرادة ، من جملة أسباب الفعل ، فكذلك الأمور الخارجة من الدعوات ، والطاعات ، والسعي ، والجدّ ، والتدبير ، والحذر ، والالتماس ، والتكليف ، والوعد ، والوعيد ، والإرشاد ، والتهذيب ، والترغيب ، والترهيب ، وأمثال ذلك ، فإنّ ذلك كله أسباب ووسائط ، ووسائل ، وروابط لوجود الأفعال ، ودواعي إلى الخير ، ومهيجات للأشواق ، مهيئة للمطالب ، موصلة إلى الأرزاق ، مخرجة للكمالات من القوّة إلى الفعل.
وكلّ ذلك ممّا يقاوم القضاء ، لا من حيث إنّه فعل العبد ، فإنّه من هذه الحيثية ممّا يتحكّم به القضاء ؛ لأنّه لو لم يقض لم يوجد ، بل من حيث إنّ الله سبحانه جعله من الأسباب على حسب ما قدّر وقضى ، لربط وموافاة بينه وبين الفعل ، كما جعل شرب الدواء سببا لحصول الصحّة في هذا المريض ، فالسبب والمسبّب كلاهما ينبعثان من القضاء ، ويستندان إلى الله سبحانه ، وإلى أمره ، أمرا ذاتيا عقليا.
وقد يكون بالأمر القولي السمعي أيضا ، كما فيما كلّفنا به من ذلك ، كالدعاء ـ مثلا ـ فإنّه سبحانه أمرنا به ، وحثّنا عليه ، قال تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) ، وقال : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) (٢) ، فالدعاء والاستجابة كلاهما من أمر الله تعالى ، أمرا تكليفيا ، كما أنّه من أمره الذاتي ،
__________________
(١) ـ سورة غافر ، الآية ٦٠.
(٢) ـ سورة البقرة ، الآية ١٨٦.