ولسان العبد ترجمان الدعاء ، وكلّ من فعل شيئا بأمر أحد فيده يد الآمر في الحقيقة ، إلّا أن بعض هذه الأمور علل وموجبات ، وبعضها علامات ومعرّفات ، وبعضها ينقسم إلى القسمين ، ولعل الدعاء من القسم الثالث ؛ ولهذا اشتهر بين الداعين أن الدعاء كالدواء ، بعضها يؤثّر بالطبع ، وبعضها بالخاصّية ، فالأول إشارة إلى الأوّل ، والثاني إلى الثاني.
وأمّا الابتلاء من الله سبحانه ، فهو إظهار ما كتب لنا أو علينا في القدر ، وإبراز ما أودع فينا ، وغرز في طباعنا بالقوّة ، بحيث يترتب عليه الثواب والعقاب ، فإنّه ما لم يخرج من القوّة إلى الفعل لم يوجد بعد ، وإن كان معلوما لله سبحانه فلا تحصل ثمرته وتبعته اللازمتان ؛ ولهذا قال سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (١) ، وأمثال ذلك من الآيات ، أي نعلمهم موصوفين بهذه الصفة ، بحيث يترتب عليها الجزاء ، وأمّا قبل ذلك الابتلاء فإنّه علمهم مستعدّين للمجاهدة والصبر ، صابرين إليهما بعد حين.
وأمّا الثواب والعقاب فهما من لوازم الأفاعيل الواقعة منّا ، وثمراتها ولواحق الأمور الموجودة فينا وتبعاتها ليسا يردان علينا من خارج ، فالمجازاة ـ أيضا ـ هو إظهار ما كتب لنا أو علينا في القدر ، وإبراز ما أودع فينا وغرز في طباعنا بالقوة ، كما قال سبحانه : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (٢) ، وقال عزوجل : (إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٣) ، فمن أساء عمله أو أخطأ في اعتقاده فإنّما ظلم نفسه بظلمة جوهره ، وسوء استعداده ، فكان أهلا للشقاوة في معاده ، وليس ذلك
__________________
(١) ـ سورة محمّد ، الآية ٣١.
(٢) ـ سورة الأنعام ، الآية ١٣٩.
(٣) ـ سورة التوبة ، الآية ٤٩ ؛ وسورة العنكبوت ، الآية ٥٤.