لأن الله سبحانه يستولي عليه الغضب ، ويحدث له الانتقام ، تعالى عن ذلك ، وإنما ورد أمثال ذلك في الشرع على نحو من التجوّز.
وأمّا تفاوت النفوس في ذلك ، وعدم تساويها في الخيرات والشرور ، واختلافها في السعادة والشقاوة ، فلاختلاف الاستعدادات ، وتنوّع الحقائق ، فإنّ المواد السفلية بحسب الخلقة والماهية متباينة في اللطافة ، والكثافة ، ومزاجاتها مختلفة في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي ، والأرواح الإنسية الّتي بإزائها مختلفة بحسب الفطرة الأولى في الصفاء والكدورة ، والقوّة والضعف ، مترتبة في درجات القرب والبعد من الله تعالى ؛ لما تقرّر وتحقق أن بإزاء كلّ مادّة ما يناسبه من الصور ، فأجود الكمالات لأتمّ الاستعدادات ، وأخسّها لأنقصها ، كما أشير إليه بقوله عليهالسلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام» (١).
وأيضا قد دريت أن لله تعالى صفات وأسماء متقابلة ، لها مظاهر في غيب غيوبه ، هي المسماة بالأعيان الثابتة ، والماهيات ، وهي غير مجعولة ، والمجعول وجودها في الخارج ، وظهورها في الأعيان ، فالفائض من الحق وجودات الأشياء واستنارتها ، ومن الواجب أن يكون من جملة صفات الملك وخصوصا ملك الملوك ، صفتا لطف وقهر ؛ لأنهما من أوصاف الكمال ، ونعوت الجلال ، وإن كان أحدهما لله سبحانه بالذات ، والآخر بالعرض.
ولا بدّ لكلّ من الوصفين من مظهر ، ولكلّ منهما فروع وشعب غير متناهية ،
__________________
(١) ـ صحيح البخاري : ٤ : ١٥٤ ، ومسند أحمد : ٢ : ٢٥٧ ، وقد ورد في الكافي بهذا النص : «عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الإسلام أصل». (الكافي : ٨ : ١٧٧ ، ح ١٩٧).