وإن كان أحدهما متقدما والآخر متأخرا ، لأنهما ربما تواردا من غير قصد ولا وقوف من أحدهما على ما تقدمه الآخر إليه ، وإنما الأنصاف أن يقال : هذا المعنى نظير هذا المعنى ويشبهه ويوافقه ، فأما أخذه وسرقه فمما لا سبيل إلى العلم به ، لأنهما قد يتواردان على ما ذكرناه ولم يسمع أحدهما بكلام الآخر ، وربما سمعه فنسيه وذهب عنه ثم اتفق له مثله من غير قصد ، ولا يقال أيضا : أخذه وسرقه إذا لم يقصد إلى ذلك.
وكم بين بيت أبي تمام وبيت البحتري مأخوذا منه أو غير مأخوذ في الطبع وصحة النسج وطلاوة اللفظ ، فلبيت أبي تمام الفضل الظاهر الباهر ، ويشبه قوله (وأراني قبل هذا التحليم كنت حليما) من شعري في الشيب قولي :
وقالوا أتاه الشيب بالحلم والحجى |
|
فقلت بما يبري ويعرق من لحمي |
وما سرني حلم يفئ إلى الردى |
|
كفاني ما قبل المشيب من الحلم |
وستجئ هذه الأبيات في موضعها بمشيئة الله.
* * *
وله من جملة قصيدة :
ألم تر ارآم الظباء كأنما |
|
رأت بي سيد الرمل والصبح أدرع |
لئن جزع الوحشي منها لرؤيتي |
|
لا نسيها من شيب رأسي أجزع |
ووجدت أبا القاسم الآمدي يفسر ذلك ويقول : أراد بسيد الرمل الذئب ، وقوله (والصبح أدرع) أي أوله مختلط بسواد الليل ، يريد وقت طلوع الفجر ، وكل ما أسود أوله وأبيض آخره فهو أدرع ، وشاة درعاء للتي أسود رأسها وعنقها وسائرها أبيض ، وإنما قال ذلك لأن الظباء تخاف الذئب في ذلك الوقت ، لأن لونه يخفى فيه لغبشته فلا تكاد تراه حتى يخالطها ، وهو الوقت الذي تنتشر فيه الظباء وتخرج