ومعنى قوله (رجوع السهام في الأغراض) إنه لا يملك ردا لطلوع الشيب في شعره ولا تلافيا لحلوله ، فيجري في ذلك مجرى رجوع السهام إلى الغرض في أنه لا يملك مرسل السهم صده عنه ولا رده عن أصابته.
ويمكن في ذلك وجه آخر وإن كان الأول أشف ، وهو أن يريد بالأغراض المقاتل والمواضع الشريفة من الأعضاء ، فكأنه يشبه رجوع الشيب بعد قصه له وطلوعه في شدة إيلامه وإيجاعه بإصابة السهام للمقاتل والفرائص.
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن السهام تنزع من الأغراض ثم ترجع بالرمي إليها أبدا. فأشبهت في ذلك الشيب في قصه ثم طلوعه ورجوعه إلى مواضعه.
ونظير قوله (فهل الحادثات يا ابن عويف) البيت قوله من قصيدة أخرى :
يعيب الغانيات علي شيبي |
|
ومن لي أن أمتع بالمعيب |
* * *
وله من قصيدة :
وما أنس لا أنس عهد الشباب |
|
وعلوة إذ عيرتني الكبر |
كواكب شيب علقن الصبي |
|
فقللن من حسنه ما كثر |
وإني وجدت فلا تكذبن |
|
سواد الهوى في بياض الشعر |
ولا بد من ترك إحدى اثنتين |
|
إما الشباب وأما العمر |
ووجدنا لأبي القاسم الآمدي زلة في البيت الأخير من هذه الأبيات قد نبهنا عليها في كتاب الغرر ، ونحن نذكرها هاهنا فإن الموضع يليق بذكرها ، قال الآمدي : على البحتري في قوله (ولا بد من ترك إحدى اثنتين) معارضة ، وهو أن يقال : إن من مات شابا وقد فارق الشباب وقد فاته العمر أيضا فهو تارك لهما ، ومن شاب