فقد بينا في مواضع من كلامنا وكلام شيوخنا بطلان التناسخ بأدلة لا يمكن دخول الشبهة عليها ، فكيف يرجع عليها بمثل ذلك.
فأما قوله : إنهم قالوا إن الأرواح مخلوقة قبل الأبدان بألفي عام.
فمن جملة الدعاوي الباطلة التي يفتقرون في تصحيحها إلى الأدلة الظاهرة ، ولا دليل. ونحن فقد دللنا على حدوث الأجسام جميعها روحا كانت أو غير روح ، ودللنا على حاجتها إلى محدث في مواضع. وعمدة كلامهم على أن الروح نفسها حية ، والحي عندنا هو الجسم الذي الروح له. وهذه المسألة مبنية على معرفة الإنسان الحي الفعال من هو ، فإذا عرف سقط كلامهم وثبت ما نقوله.
ومن الذي يسلم لهم أن الأرواح قديمة ، والأرواح عندنا جملة من الأجسام ، وقد دللنا على حدوثها.
وقوله : وهذه الأرواح إذا فارقت الأبدان هل تحس.
فقد قلنا : إن الذي يحس هو الحي ، والحي هو الذي تحله الحياة ، وهو الجملة التي تدرك المدركات. وإذا كانت الأرواح إذا انفردت لا يكون لها هذا الحكم لم يجز أن تحس (١) ، لأن الحس عبارة عن إدراك.
وقوله : وهل الحساب عليها أو على الأبدان.
والحساب على الحي المكلف المأمور المنهي ، وإذا كانت الأرواح لا تقوم بنفسها ـ أعني عن كونها حية ـ وإنما هي تابعة فالحساب على من هي تابعة له لا عليها.
وأما قوله : إذا نام الإنسان ما الذي يعدم من البدن وما الذي يبقى.
فالروح عندنا عبارة عن الهواء المتردد في مخارق الحي ، وهذا الهواء الحال
__________________
(١) في الأصل " أن يحسن ".