ثمّ على هذين المذهبين إنّما يتمّ قبل إكمال الدين لا بعده
______________________________________________________
ثم قال المحدّث الاسترابادي : انّه على القول الأوّل ، يمكن أن يقال بالبراءة في الشبهة الحكمية ، اذ لما لم يرى العقل حسنا ولا قبحا في شيء فمن أين يحتمل التكليف الالزامي الوجوبي أو التحريمي حتى يحتاط فيه؟ ، وعلى القول الثاني ، يمكن القول بالبراءة أيضا ، اذ لا تلازم بين حكم الشرع وحكم العقل ، فمن الممكن أن يكون الشيء حسنا ولا يوجبه الشارع ، أو قبيحا ولا يحرّمه الشارع.
أمّا على القول الثالث : فلا يمكن القول بالبراءة ، بل يلزم القول بالاحتياط لاحتمال العقل في مورد الشبهة : حسّنها أو قبّحها ، فيلزم أن يحتاط فيها.
هذا ، لكن انا الاسترابادي أقول بالقول الثاني ، فانّه وانّ كان مقتضاه : البراءة ، الّا اني أقول : انّ ذلك قبل اكمال الدين ، أما بعد اكماله حسب الآيات والرّوايات في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا بد من الاحتياط وذلك لوجود الحكم الواقعي قطعا ، ولكن حيث لا نعلمه يلزم علينا الاحتياط لئلا نخالف الحكم الواقعي بسبب اجراء البراءة.
والى مذهبه هذا اشار بقوله : (ثمّ على هذين المذهبين) أي : مذهب من ينفي الحسن والقبح الذاتيين ، ومذهب من يقول بالحسن والقبح الذاتيين ، لكنه يقول لا ملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل (إنّما يتمّ) التمسك بالبراءة الأصليّة في الشبهات الحكمية الوجوبية والتحريمية (قبل اكمال الدّين لا بعده).
وانّما يتم قبله لا بعده لأن كثيرا من الوقائع قبل اكمال الدين لم ينزل الله به حكما شرعيا ، فكان من الممكن أن نقول بانتفاء الحرمة واقعا في الشبهة الحكمية التحريمية ، أو بانتفاء الوجوب واقعا في الشبهة الحكمية الوجوبية ، لكن بعد