لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين ، حتى لا يقع في محذور فعل الحرام. وهو معنى المرسل المرويّ في بعض كتب الفتاوى : «اترك ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» ، فلا يبقى مجال للاذن في فعل أحدهما ،
______________________________________________________
الاجتناب عن الخمر الواقعي ، سواء علم به المكلّف أو تردد بين اناءين أو ما أشبه ، وذلك (لأنّ مقتضى العقل في الاشتغال اليقيني بترك الحرام الواقعي) قوله : «بترك» متعلق «بالاشتغال» (هو : الاحتياط والتحرّز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام) إذا صادف الواقع.
والحاصل : إنّ أدلة الحلّ ليست مانعة عن مقتضى العلم الاجمالي الذي هو الاجتناب عن كليهما ، بل (وهو) أي : الذي ذكرناه : من وجوب الاجتناب عن كليهما (معنى المرسل المرويّ في بعض كتب الفتاوى) كسرائر ابن ادريس رحمهالله : (اترك ما لا بأس به) أي : الحلال (حذرا عمّا به البأس) (١) أي : الحرام ، فاذا اختلف الحرام بالحلال وجب ترك الحلال لئلا يقع في محذور الحرام.
وعليه : (فلا يبقى مجال للاذن في فعل أحدهما) كما لا يجوز ارتكاب كليهما ، فإنّ ارتكاب كلا المشتبهين مناف لتنجز التكليف المعلوم اجمالا ـ حسب ما عرفت ـ واجراء البراءة في أحدهما فقط مناف لقاعدة الاشتغال ، فانّ الاشتغال اليقيني بحاجة الى البراءة اليقينية ، والبراءة اليقينية لا تحصل الّا بالاجتناب عن جميع الأطراف.
__________________
(١) ـ اشارة الى الحديث الوارد عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به البأس ، الصراط المستقيم : ج ١ ص ١٣٥ ، وقريب منه في تحف العقول : ص ٦٠ ، الالفين : ص ٣١٢ ، مجموعة ورام : ج ١ ص ٦٠.