ويلحظ أن الآية الثانية منسجمة مع الآية الأولى ومعطوفة عليها حيث يتبادر أنها جاءت بمثابة تعقيب وتدعيم لما أمرت به الآية الأولى. وقد يكون منها تأييد لما قلناه من أن بعض المسلمين تهاونوا في أمر الوضوء والاغتسال من الجنابة فاقتضت حكمة التنزيل تذكيرهم بنعمة الله عليهم. وميثاقه الذي أخذه منهم على السمع لما يأمرهم به وطاعته.
والتوكيد عليهم بتقواه وتنبيههم إلى أنه عليم بكل ما في نفوسهم بالإضافة إلى أعمالهم الظاهرة.
والتناسب قائم بين الآيتين وما سبقهما من حيث القصد التشريعي. فإما أن تكونا نزلتا بعد الآيات السابقة مباشرة فوضعتا بأمر رسول الله بعدها للتناسب التشريعي والظرفي. أو وضعت بعدها للتناسب التشريعي وحسب. ونرجح على كل حال أنها نزلت بعد الآيات التي سبقتها إما فورا وإما بعد مدة ما والله تعالى أعلم.
ولقد صرف بعض المؤولين جملة (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) في الآية الأولى إلى قصد تعليل إيجاب التيمم إذا فقد الماء أو آذى. ومنهم من صرفها إلى قصد تعليل إيجاب الوضوء. والجملة تتحمل المعنيين. وإن كان صرفها إلى تعليل التيمم أقوى لأنه الأقرب إليها تتضمن قصد إشعار المسلمين دائما بشعور الطهارة ووجوبها وليس للإحراج.
ومهما يكن من أمر ففي الجملة معنى يصح أن يكون نبراسا يستمدّ منه المسلمون نورا وهدى في مختلف أمورهم وهو كون الله تعالى إنما يتوخى في تكاليفه ورخصه نفع المسلمين وطهارتهم ماديا وروحيا دون قصد الإحراج. وفي هذا من الجلال ما فيه.
وأسلوب الآية الثانية قوي نافذ. ومع أنها موجهة إلى المؤمنين في عهد رسول الله في صدد ما أمروا به في الآية الأولى فإن إطلاق عبارتها يجعل ما احتوته