فإن قال فما معنى قوله في السورة (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وظاهر هذا الكلام يقتضي إباحتهم المقام على أديانهم؟؟
قلنا إن ظاهر الكلام وإن كان ظاهر الإباحة فإن المراد به الوعيد والمبالغة في الزجر والتهديد كما قال تعالى (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) وقال (أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
وقد قيل إن المعنى فيه لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني فحذف الجزاء من اللفظ لدلالة الكلام عليه.
وقيل إن الجزاء نفسه يسمى دينا قال الشاعر :
إذا ما لقونا لقيناهم |
|
ودناهم مثلما يقرضونا |
أراد جزيناهم فيكون المعنى في قوله (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) أي لكم جزاؤكم ولي جزائي.
مسألة
فإن قال السائل فما وجه التكرار في سورة الرحمن وإعادته مع كل آية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
الجواب :
قلنا إنما حسن هذا التكرار للتقرير بالنعم المختلفة وتعديدها نعمة بعد نعمة أنعم بها قرر عليها ووبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره ألم أحسن إليك بأن خولتك المال ألم أحسن إليك بأن أمنتك من المكاره ألم أحسن إليك بأن فعلت كذا وكذا فيحسن منه التكرار لاختلاف ما قرر به وهذا كثير في الكلام مستعمل بين الناس.
وهذا الجواب عن وجه التكرار في سورة المرسلات في قوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
فإن قيل إذا كان الذي حسن التكرار في سورة الرحمن ما عدده من الآلاء فقد عدد في جملة ذلك ما ليس بنعمة وهو قوله (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ