ومن دفع أن يكون الخروج من هذه المنزلة منفرا كمن دفع أن تكون القباحة في الخلق والدمامة المفرطة في الصور منفرا.
وقد أجمع معنا خصومنا من المعتزلة على أن الله تعالى يجنب أولياءه وأنبياءه عليهم السلام جميع هذا.
فبان بما ذكرنا أن منزلة هارون من موسى عليهم السلام منزلة لا يجوز خروجه عنها ما دام حيا وأنه لو بقي بعد موسى لكان أحق بها من يوشع وأولى.
وفي ذلك دليل على أن أمير المؤمنين عليهم السلام يستحقها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته لبقائه بعده.
وليس موت هارون في حياة موسى عليهم السلام بمانع لأمير المؤمنين عليهم السلام مما هو مستحقه ببقائه.
ألا ترى أن رجلا لو قال لوكيل له أجر على عبدي الرومي في كل يوم جرابة وفي كل شهر صلة ثم قال بعد ذلك أن منزلة عبدي الحبشي عندي كمنزلة ذلك الرومي فأجره مجراه واجعل له من الجاري والصلة نظير ما جعلت له ثم مات الرومي فمعلوم أن موته لا يقطع جرابة الباقي ولا يحرمه صلته.
هذا ما لا يدفعه أحد ولا ينكره.
فإن قال الخصم فيلزمك على هذه الطريقة أن نقول إن طاعة أمير المؤمنين عليهم السلام كانت مفترضة على الأمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل له كذلك نقول ولكن بشرط غيبته وأما عند حضور النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز أن تكون الطاعة واجبة إلا له وهذا حكم الخليفة في المتعارف والعادة.
الجواب الثاني عن هذا السؤال :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوضح مراده في كلامه لمن فهم وأبان عن قصده من قوله لمن علم.
وذلك أنه أتى بجملة أوجب منها لأمير المؤمنين عليهم السلام ما أراده واستثنى