منها ما لم يرده وعلق ذلك بوقت نفى عنه فيه ما نفى فوجب أن يكون هذا له فيه ما أوجب.
ولا يجوز أن يتضمن الكلام استثناء ويكون مقيدا بوقت إلا وهو وقت المنفي منه والموجب.
مثال ذلك قول القائل قام القوم إلا زيدا اليوم فلا يجوز أن يكون اليوم إلا وقتا للحالين ففيه قام القوم وفيه بعينه لم يقم زيد ولو لا أن الأمر كما ذكرناه لم يحسن الاستثناء وذكر الوقت وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أوجبه لأمير المؤمنين عليهم السلام من منازل هارون من موسى عليهم السلام إلا أنه لا نبي بعدي فعلمنا أن جميع ما أثبته له مما استحقه هارون من موسى في حياته وهو مثبت له من بعده لأنه الوقت الذي قرنه بالاستثناء.
ولو كان الأمر على ما ذكره الخصم من أنه أراد بذلك أيام حياته لقال أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي أو لا نبي في حياتي وفي نفيه لما لم يرده بعده دليل على أنه قد أثبت له ما أراده بعده والحمد لله.
فإن قال الخصم ما تنكرون من أن يكون مراده صلى الله عليه وسلم بقوله إلا أنه لا نبي بعدي إنما هو بعد كوني نبيا وذلك يقتضي حال الحياة.
قلنا أنكرنا ذلك من قبل أن لفظة بعد إذا خرجت مخرج قول النبي صلى الله عليه وسلم أوجبت بالعرف والعادة حال الوفاة التي هي بعد الحياة دون أن يوجب حالا في الحياة.
ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين :
تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين
وقوله ستغدر بك الأمة من بعدي.
وقوله ستفرق كلمتكم من بعدي.
وقوله :
ألا لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
كل ذلك يفيد بعد وفاتي.