وليس هذا بقياس في المشروعات ولا فيه أمر بالتعويل على الظنون في استنباط الأحكام.
وأما قوله سبحانه (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فليس فيه أن العدلين يحكمان في جزاء الصيد بالقياس وإنما تعبد الله سبحانه عباده بإنفاذ الحكم في الجزاء عند حكم العدلين بما علماه من نص الله تعالى.
ولو كان حكمهما قياسا لكانا إذا حكما في جزاء النعامة بالبدنة قد قاسا مع وجود النص بذلك فيجب أن يتأمل هذا.
وأما الخبران اللذان أوردتهما فهما من أخبار الآحاد التي لا يثبت بهما الأصول المعلومة في العبادات على أن رواة خبر معاذ مجهولون وهم في لفظه أيضا مختلفون.
ومنهم من روى أنه لما قال أجتهد رأيي قال له عليهم السلام لا أحب إلى أن أكتب إليك.
ولو سلمنا صيغة الخبر على ما ذكرت لاحتمل أن يكون معنى قوله أجتهد رأيي أني أجتهد حتى أجد حكم الله تعالى في الحادثة من الكتاب والسنة.
وأما ما رويته عن الحسن عليهم السلام من حكم أمير المؤمنين صلى الله عليه وسلم ففيه تصحيف ممن رواه والخبر المعروف أنه قال فإن لم يجد في السنة زجر فأصاب.
يعني بذلك القرعة بالسهام وهو مأخوذ من الزجر والفال.
والقرعة عندنا من الأحكام المنصوص عليها وليست بداخلة في باب القياس فقد تبين أنه لا حجة لك فيما أوردته من الآيات والأخبار.
فقال أحد الحاضرين إذا لم يثبت للقائسين نص في إيجاب القياس فكذلك ليس لمن نفاه نص في نفيه من قرآن ولا أخبار فقد تساويا في هذه الحال.
فقلت له قد قدمت من الدليل العقلي على فساد القياس في الشرعيات وما يستغني به متأمله عن إيراد ما سواه.