مجتهدا في البيان التحسين لمقاله بالترجيح له على قول خصمه في الصواب.
وإن كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها والتحسين لها والتقبيح لضدها والترجيح لها على غيرها وكنا نعلم ضرورة أن فاعل ذلك لا يفعله للتبعيد من قوله وإنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه فقد ثبت بما قلناه.
ولو كان الدال على قوله الموضح بالحجج عن صوابه المجتهد في تحسينه وتشييده غير قاصد بذلك إلى الدعاء إليه ولا مزيد للاتفاق عليه لكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه ووهنه داعيا بذلك إلى اعتقاده ومرغبا به إلى المصير إليه.
ولو كان ذلك كذلك لكان إلزام الشيء مدحا له والمدح له ذما له والترغيب في الشيء ترهيبا عنه والترهيب عن الشيء ترغيبا فيه والأمر به نهيا عنه والنهي عنه أمرا به والتحذير منه إيناسا به وهذا ما لا يذهب إليه سليم.
فبطل ذلك ما توهموه ووضح ما ذكرناه في تناقض نحلتهم على ما بيناه والله نسأل التوفيق.
قال شيخنا رضي الله عنه :
ثم عدلت إلى صاحب المجلس فقلت له :
لو سلم هؤلاء من المناقضة التي ذكرناها ولن يسلموا أبدا من الله لما سلموا من الخلاف على الله فيما أمر به والرد للنص في كتابه والخروج عن مفهوم أحكامه بما ذهبوا إليه من حسن الاختلاف وجوازه في الأحكام قال الله عزوجل :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) آل عمران : ١٠٥.
فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا وحذر منه وزجر عنه وتوعد على فعله بالعقاب وهذا مناف لجواز الاختلاف وقال سبحانه :