ذلك والمعنى الملتمس به أهو تبعيد الخصم من موضع الرجحان والتنفير له عن المقالة بإيضاح حجتها أم الدعوة إليها بذلك واللطف في الاجتذاب إليها به؟؟
فإن قلت إن الفرض للمحتج التبعيد عن قوله بإيضاح الحجة عليه والتنفير عنه بإقامة الدلالة على صوابه قلت قولا يرغب عنه كل عاقل ولا يحتاج معه لتهافته إلى كسره.
وإن قلت إن الموضح عن مذهبه بالبرهان داع إليه بذلك والدال عليه بالحجج البينات يجتذب بها إلى اعتقاده ضرب بهذا القول وهو الحق الذي لا شبهة فيه إلى ما أردناه من أن موضوع المناظرة إنما هو للموافقة ورفع الاختلاف والمنازعة.
وإذا كان ذلك كذلك فلو حصل الفرض في المناظرة وما أجرى بها عليه لارتفعت الرحمة وسقطت التوسعة وعدم الرفق من الله تعالى بعباده ووجب في صفة العنت والتضييق وذلك ضلال من قائله فلا بد على أصلكم في الاختلاف من تحريم النظر والحجاج وإلا فمتى صح ذلك وكان أولى من تركه فقد بطل قولكم في الاجتهاد وهذا ما لا شبهة فيه على عاقل.
فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال :
ليس الغرض في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق وإنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد.
فقال له الشيخ رضي الله عنه :
هذا الكلام كلام صاحبك بعينه في معناه وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب وذلك أنه لا بد في فرض الاجتهاد من غرض ولا بد لفعل النظر من معقول.
فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد البيان عن موضع الرجحان فهو الدعاء في المعقول إلى الوفاق والإيناس بالحجة إلى المقال.
وإن كان الغرض فيه التعمية والإلغاز فذلك محال لوجود المناظر