وأما الكلام في اللفظ فهو يختص بالذين يقولون إنه جسم لا كالأجسام ولا يشابهها بصفة من الصفات.
فأما الذي يدل على بطلان مقال الذين يزعمون أنه جسم لا كالأجسام فهو أن الأجسام قد ثبت حدوثها فلو كان صانعها تعالى جسما أو مثلها لوجب أن يكون محدثا ويبين ذلك أن حقيقة الجسم هي أن يكون طويلا عريضا عميقا فلو كان صانع الأجسام جسما لكانت هذه حقيقته لأن الحقيقة لا تختلف وسوي فيها الشاهد والغائب وحقيقة الجسم موجبة الأبعاد ومعطية فيها المساحة والنهايات وأنه مجتمع من أبعاض مختص ببعض الجهات وذلك شاهد فيه بحلول الأعراض لأن المجتمع لا غناء به عن الاجتماع والكائن من جهة دون غيرها لا يعرى من الأكوان فهذه كلها دلائل الحدوث.
فلو كان صانع الأجسام على هذه الصفات أو على بعضها لكان محدثا ولو جاز كونه عليها وهو قديم لكانت الأجسام كلها قديمة وفي ثبوت الأدلة على حدوث الأجسام وقدم محدثها دلالة واضحة على أنه ليس بجسم سبحانه وتعالى.
دليل ثان :
وشيء آخر وهو أن صانع الأجسام واحد في الحقيقة حسبما شهدت به الأدلة فلو كان جسما لخرج عن كونه واحدا لأن الجسم مجتمع من أبعاض وأجزاء.
دليل ثالث :
وشيء آخر وهو أنه لو كان جسما لوجب كونه قادرا بقدرة لبطلان كون الجسم قادرا لنفسه ولو كان كذلك لاستحال حدوث الأجسام منه إذ لا يصح من القادر بقدرة أن يفعل الجسم في محل قدرته متداولا في غيره مسببا أو متولدا.