دليل رابع :
وهو أنه لو كان جسما في الحقيقة صح منه فعل الأجسام لصح من كل جسم حي قادر أن يفعل الأجسام فلما علمنا يقينا استحالة فعل الأجسام للأجسام علمنا أن فاعل الأجسام ليس بجسم على كل حال فقد بان لك بطلان مقال الذين يزعمون أن الله تعالى جسم على صفة الأجسام وحقيقتها.
وكما علمت أنه لا يجوز أن يشبهها في جميع الصفات فكذلك تعلم أنه لا يجوز مشابهته لها في بعضها لأن كل صفة من صفات الأجسام المختصة بها دالة على حدوثها فلو أشبهها في شيء منها دل ذلك الشيء على أنه محدث مثلها.
وبمثل هذا يعلم أيضا أنه ليس بجوهر لأن الجوهر متحيز في جهة غير عار من الأعراض الدالة على حدوثه. (١)
فأما قولهم إنا لم نر فاعلا للأجسام غير جسم فلما كان الله تعالى فاعلا وجب أن يكون جسما فقول فاسد لأن الفاعل لم يكن فاعلا لكونه جسما ولا كل صفة رأينا الفاعل في الشاهد عليها يجب أن يكون الفاعل في الغائب على نظيرها.
ألا ترى أنا لم نر في الشاهد فاعلا إلا مؤلفا لحما ودما ناقصا محتاجا ولا يصح أن يكون الفاعل في الغائب هكذا.
والاستدلال بالشاهد على الغائب إنما هو بالحقائق دون ما سواها.
وليس حقيقة الفاعل أن يكون جسما ولو كان كذلك لكان كل جسم فاعلا وكل فاعل جسما.
كما أن الحركة لما كان حقيقتها أن تكون زوالا كان كل زوال حركة وكل حركة زوالا فهذا هو الأصل الثابت الذي يجب أن يتماثل فيه الشاهد والغائب فيجب أن يتأمله ويعتمد عليه فالفائدة فيه كثيرة.
__________________
(١) في النسخة (متحيز به) ، ولا يظهر ما يعود الضمير عليه ، وفي النسخة : أيضا (غير عارض الأعراض) وفيها أيضا : (حدثه).