ولمّا انتهت الرسالة إلى مصقلة أجاب الإمام عليهالسلام بما يلي :
أمّا بعد ... فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين فليسأل إن كان حقّا فليعجّل عزلي بعد نكال ، فكلّ مملوك لي حرّ.
وعليّ آثام ربيعة ومضر إن كنت رزأت (١) من عملي دينارا ولا درهما منذ ولّيته إلى أن ورد عليّ كتاب أمير المؤمنين ، ولتعلمنّ أنّ العزل أهون عليّ من التهمة.
ولمّا انتهى الكتاب إلى الإمام عليهالسلام وقرأه قال :
« ما أظنّ أبا الفضل إلاّ صادقا » (٢).
من المؤسف أنّ مصقلة قد هرب إلى معاوية.
وقد روى المؤرّخون قصّة هربه ، فقد حدّثوا أنّ الخريت بن راشد الناجي ، وهو من أعلام الخوارج المفسدين في الأرض ، قد نقم على الإمام قصّة التحكيم ، وخرج يفسد الناس ، وقد انضمّ إليه جماعة من قومه ، وكانوا نصارى ، فأخلّوا بشروط الذمّة ، كما ارتدّ بنو ناجية عن الإسلام ، وأخذوا يشيعون الرعب والفساد بين الناس.
فبعث إليهم الإمام عليهالسلام فرقة من جيشه لقتال الخريت وعصابته فأدركتهم في سيف البحر بفارس ، فقتل الخريت وقتل معه جمهرة من أتباعه ، وسبوا من أدرك في رحالهم من النساء والصبيان ، وكانوا خمسمائة أسير ، فارتفعت أصواتهم بالبكاء واستغاثوا بمصقلة فرقّ ، فاشتراهم من معقل قائد جيش الإمام بخمسمائة ألف درهم ثمّ أعتقهم ، وأدّى ثلث ثمنهم ، وأشهد على نفسه بالباقي ، ثمّ امتنع عن أدائه ،
__________________
(١) رزأت : أي أخذت.
(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٢٠.