وأن نعرف هل أن هناك توافقا بين الأحكام ، أو لا؟ أو أن هناك تنافرا بين الأحكام أو لا؟ وهذه مبادئ تصورية وتصديقية يحتاجها بحث الاستلزامات ، ولا يحتاجها بحث الألفاظ ؛ فمسألة أن صيغة (افعل) ظاهرة في الوجوب أو لا ، لم يكن يحتاج إلى البحث عن حقيقة الوجوب ، أما هنا عند ما نريد أن نبحث هل أن الوجوب ـ هل يستلزم وجوب المقدمة أو لا؟ هل يستلزم حرمة الضد أو لا؟ حينئذ لا بد وأن نعرف حقيقة الوجوب لنعرف ما هي استلزاماته ، إذن فهذا هو الصنف الثاني في المقام.
الصنف الثالث : هو البحث عن ذات الحجة التي تكون دلالته على الحكم ، لا لفظية ولا عقلية برهانية ، بل من باب تراكم الاحتمالات ، وتراكم القرائن بعضها على بعض ؛ من قبيل البحث عن السيرة مثلا ، أو الإجماع مثلا ، فإن السيرة دلالتها ليست دلالة لفظية ، ولا دلالة عقلية برهانية ، بل هي دلالة من باب تراكم الاحتمال ، كما يقال كل الناس كل الفقهاء قالوا هكذا. فكل قول من هذه الأقوال يوجب احتمالا ، وهكذا إلى أن نحصل على اليقين بالمطلب ، فهذه الدلالة من صنف ثالث. وهذا القسم من الدليل أيضا له مبادئه التصورية ، ومبادئه التصديقية ، التي يختلف بها عن الصنفين السابقين ، لأنه هنا لا بد وأن نعرف أن الاحتمالات كيف تتراكم ، ومتى تتراكم ، وما هي موارد تراكمها ومقتضياتها. هذا كله بحث ضروري لهذا القسم. هذا هو الصنف الثالث من القسم الأول وهو فيما إذا كان البحث عن ذات الحجة.
وأما القسم الثاني : وهو بحث الحجية. فهذا القسم يتميز عن القسم السابق بأصنافه الثلاثة أنه بحاجة إلى سنخ من المبادئ لم يكن القسم الأول بأصنافه الثلاثة محتاجا إليها ، فهذا القسم محتاج إلى تصور معنى الحجية ، ومعنى المنجزية ، والمعذرية ، كما أنه محتاج أيضا إلى البحث عن الألسنة الممكنة للتنجيز والتعذير ، بمعنى أنه ما هي الألسنة الممكنة لجعل الحجية ، وجعل المنجزية والمعذرية ، ويدخل في ذلك ؛ البحث في إمكان جعل الأحكام الظاهرية أساسا ؛ بمعنى أنه هل يعقل جعل الحكم الظاهري أو لا يعقل جعل الحكم الظاهري لاستلزامه المحاذير التي برهن عليها في كلمات ابن قبة وغيره ،