قال : وقد ينعكس الأمر فيكون المندوب ترك العفو ، وذلك إذا أحتج إلى كف زيادة البغي ، وقطع مادة الأذى.
وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن زينب أسمعت عائشة ـ رضى الله عنهما ـ بحضرته وكان ينهاها فلا تنتهي فقال لعائشة : دونك فانتصري.
قلت : حكى لى القاضي الأفضل يحيى بن محمد صاحب ثاه أنه وصل إلى حي الإمام الناصر رحمهالله كتاب من شخص فضلله وخطأه حتى قال : إن ملك النصارى سيرته أعدل من سيرتك هذا معناه ، فقرأه الإمام وقام من قعوده ، وأعرق من قامته إلى قدميه ، وظهر ذلك عليه ، فلما رآه جلساؤه على هذه الحالة أشاروا أنه ينكل بالكاتب ، وينفي ، ويفعل به ويفعل ، فلم يزل الإمام يسكن نفسه ، ويستعمل الكظم والنظر ، حتى لاح له العفو ، فأخذ الكتاب وكتب على ظهره لقد تشدقت وتفيهقت ، ولكنا نظرنا إلى قوم أنزل الله في الثناء عليهم كلاما فقال تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣] وقد عفونا عنك. هذا معنى كلامه.
قوله تعالى
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى : ٤٠]
قال جار الله (رحمهالله) فيه دلالة على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز التسوية ، خصوصا حال الحرد ، والتهاب الحمية ، فربما كان المجازي ظالما وهو لا يشعر.
وقوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) [الشورى : ٤١]
هذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول وتفسره قراءة من قرأ (بعد ما ظلم).
قوله تعالى : (ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤١]