الأول هما باغيتان فكان الصلح لتسكين الفتنة لا للضمان ، وفي الثاني الباغية إحداهما فكان الصلح للضمان ، فلذلك قال بالعدل.
والفيء : الرجوع إلى حكم الله تعالى. وللبغاة أحكام استنباطها من غير الآية تكملة لما ذكر.
إن قيل : ما يكون بين القبائل من الحروب والغزو من بعضهم لبعض هل يكون الجميع بغاة أو البعض؟
قلنا : الحال يختلف فإن لم يكن مع أحد القبيلتين للأخرى مظلمة من مال أو دم فطلبت إحداهما الصلح ، وأبت الأخرى فالآبية هي الباغية بلا إشكال إن كانت قاصدة ، وإن قصدت مع إبائها من الصلح ، وكانت القاصدة طالبة للصلح نظر في ذلك ، فإن كانت القبيلة الممتنعة من الصلح إذا لم تقصد قصدت فهي باغية ، ذكره المؤيد بالله ، وإن كانت لا تقصد فهي مبغي عليها حال القصد.
وأما إذا كان مع أحدهما دم أو مال فطولب بذلك وامتنع ، ولم يرجع إلى أمر الله وكان إذا سلم ما عليه كف عنه فهو باغ ، وإن كان لا يرجع إلى حكم الشرع ، ويؤثر فيه الوعظ والنصح فليس بباغ.
قوله تعالى
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات : ١١ ، ١٢]