والثالث : له بأغلظ الأحوال ، وسبب الخلاف أن قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) محتمل هل المراد من لم يجد حال العود أو حال الأداء؟
قال أهل القول الأول : علة الانتقال إلى الصوم العدم للرقبة ، فسواء عدمها وقت وجوبها أو وقت أداء الصوم ، أن العادم يجوز
له الصوم عند العدم ، ويعضد ذلك بالقياس على الطهارة ، فإن من وجد الماء أول الوقت ثم عدمه آخر الوقت وأراد الصلاة جاز له التيمم إجماعا.
قال أهل القول الثاني : قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يؤذن أن وجوب الرقبة عقيب العود ؛ لأنه جاء بالفاء وهي للتعقيب ، ثم إنه تعالى عقب الصوم بنفي الوجود المذكور قياسا على الحد ؛ لأنه حق يجب للتطهير ، وإن قلنا بأغلظ الحالين فلأن فيه حيطة وقياسا على الحج ، فإنه أيّ وقت قدر على المال لزمه ، فكذا أيّ وقت قدر على العتق.
الثانية : إذا شرع في الصوم لعدم الرقبة ثم وجدها قبل الفراغ من الصوم انتقل إليها ؛ لأنه واجد فلا يجزيه الصوم مع الوجود ، وإذا بطل إجزاء ما بقي بطل إجزاء ما مضى ، وهذا مذهبنا وهو كالمتيمم إذا وجد الماء ، ووافقنا المزني ، والظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يجب عليه أن ينتقل ؛ لأن أصله أن من تلبس بالبدل لم ينتقل ، والأفضل عندهم الانتقال.
الثالثة : في تفسير هذا العدم ، وذلك أنه يكون عادما بأحد أمرين :
الأول : الفقر الذي لا يستطيع معه شراء الرقبة وهذا ظاهر ، ولو توصل إلى سقوط الرقبة بذريعة وهي أن يهب ماله ممن يثق به جاز له ذلك كما يجوز في سائر الأيمان ، ومن هذا قصة أيوب صلّى الله عليه حين أمره تعالى أن يضرب بالعثكول لئلا يحنث ، وقد قال القاسم عليهالسلام فيمن حلف لا وصل أخيه بصدقة ماله فإنه يهبه ممن يثق به.