هذا أمر بقيام بعض الليل ، وفي ذلك خلاف من وجوه ثلاثة :
الأول : في ماهية المأمور به ، هل هو الصلاة أو قراءة القرآن.
والثاني : في حكم هذا الأمر ، هل هو للوجوب أو للندب.
والثالث : هل المأمور به إن قلنا : إنه للوجوب باق أو منسوخ.
أما الأول : فقال أكثر المفسرين أن ذلك أمر بالصلاة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي بالليل فتسامع الناس بذلك ، واجتمعوا وكبروا ، فدخل البيت فجعلوا يتنحنحون حتى يخرج إليهم.
وقال أبو مسلم : المأمور به تلاوة القرآن ، وأنه تعالى أمره أن يقسم الليل بين النوم والتلاوة.
وأما الوجه الثاني : فهو هل الأمر للوجوب أو للندب؟ فقال أكثر المفسرين : إن الأمر للوجوب ، وأن الزيادة والنقصان إلى رأي المصلي.
وقال أبو علي : إنه أمر ندب ؛ لأن الواجب لا يخير فيه ، ولقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ).
وأما الأمر الثالث : وهو هل هي باقية أو منسوخة؟
فقال الأكثر إنها منسوخة ، وأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصلي بالليل وأن الناس لما كبروا دخل بيته فكانوا يتنحنحون حتى يخرج إليهم ، فنزلت : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) ففرضت الصلاة في الليل حتى كان أحدهم يربط حبلا فيتعلق به.
وقيل : لما نزلت اشتد عليهم محافظة الوقت وكانوا يقومون الليل حتى يصبحوا فشق ذلك عليهم ، وتورمت أقدامهم ، واصفرت ألوانهم ، وظهرت السيماء في وجوههم ، فرحمهمالله تعالى وخفف عنهم ونسخ ذلك.
وروي عن ابن عباس والحسن ، وقتادة : كان بين أن فرض عليهم وبين النسخ سنة. وعن سعيد بن جبير : عشر سنين. وعن عائشة : ثمانية أشهر.