قوله تعالى : (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا).
يدل على الموت أمر وجودي ، وهو مذهبنا خلافا للمعتزلة ، وهذا بناء على أن العدم الإضافي لا يصح كونه أثرا للقدرة ، وأما على القول بصحة كرمه أثرا لها ، فلا يتم الاحتجاج بالآية ، وإنما يتم الاحتجاج بقوله تعالى : (خَلَقَ الْمَوْتَ) [سورة الملك : ٢] ، لأن خلق لا يتعلق إلا بالوجود.
وقال الفخر : في الكلام تقديم وتأخير ، أي أحيا وأمات ، ولا يحتاج إليه ، لأن الواو لا ترتب ، وقدم الموت مع أنه هو لم بخلاف ما سبق من تقديم الملائم ، إما لرءوس الآي ، وإما لأن الدنيا سجن للمؤمن ، والخطاب للمؤمنين ، فهو ملائم.
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ).
السهيلي : لم يؤت في هذه بضمير الفصل كما أتى به فيما قبلها ، لأن بعض الجهال قد نسب تلك الأفعال لغير الله تعالى ، كقول النمرود (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [سورة البقرة : ٢٥٨] ، وأما هذا فلم يدعه أحد انتهى ، تقريره أنه سلك في الآية المتقدمة طريق الحصر بالبناء على المضمر ، فقال : وأنه هو كذا ، ولم يفعل ذلك هنا ، والجواب : أنه لما وقع الخلاف بين الناس في مدلول تلك الآيات ، فالمعتزلة يقولون : إن العبد يخلق أفعاله ، فيخلق الضحك والبكاء ، وفرقة أخرى ينكرون الآخرة والبعث ، وفرقة أخرى قالوا : ما يهلكنا إلا الدهر ، وأنكروا أن الموت والحياة مخلوقان لله تعالى ، احتج في ذلك لأداة الحصر ، بخلاف خلق الذكر والأنثى ، فإنه لم يخالف فيه أحد ، والحاصل أن الآيات المتقدمة مجرد دعوى مقرونة بدليلها ، وهو خلق الضدين الذكر والأنثى ، إذ لم يخالف أحد في الجمع بين الضدين ، أنه ليس من فعل العبد بوجه ، حسبما قال الضرير في نظمه : " ورد قول الطبعي الجاحد" بقوله (تَسْعى) [سورة طه : ٢٠] ، واحد ولذلك خلق الله تغير الضدين الذكر والأنثى من نطفة واحدة ، إذا تمنى ، فإن قلت : وله كذا الضحك والبكاء ضدان ، وقد جمع بينهما في آن واحد ، قلت : فرق بين الجمع بين الصفات ، وبين الجمع بينهما في الذوات ، فالأول : أخف يمكن أن يدعى بخلاف الثاني ، فإنه أضعف فما يلزم من دعوى ذلك في الصفات ، ودعواه في الذوات ، وخلق هنا ماضي بمعنى المستقبل ، لأن إذا لما يستقبل الآية عامة مخصوصة بآدم ، وحواء ، وعيسى عليهمالسلام.
قوله تعالى : (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى).