مجمع الدين كله ، وهذه الجملة وما بعدها من الجملة في غاية النعي عليهم وتقبيح أحوالهم ، فالجملة الأولى : دالة على عدم كمال عدم انقيادهم ، والثانية : دالة على دوامهم وملازمتهم ، والثانية سؤاله على أنهم لا شبهة لهم إلا محض التكذيب ، والعناد ، واتباع الهوى.
قوله تعالى : (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
تقدم الكلام في السحر في سورة البقرة ، وحذف المبتدأ لما يقول ابن مالك : أن الخبر لا يصلح إلا له ، فهولاء جعلوا اسم السحر لا يصلح إلا لتلك الآية.
قوله تعالى : (وَكَذَّبُوا).
إن قلت : لم عبر عن تكذيبهم بالماضي ، وعن إعراضهم بالمضارع ، قلت : لتجدد إعراضهم بتجدد الآيات ، وأما تكذيبهم واتباعهم أهواهم ، فاللازم منهم ثابت لا ينفك عنهم ، وهو حال من الضمير في يتعرضوا لا معطوف لئلا يلزم التكرار ، وعطف الشيء على نفسه ، وعطف الماضي على المضارع.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ).
إن أريد التوزيع ، ولن كل واحد تبع هوى نفسه فظاهر ، وأن أريد كل واحد اتبع هوى غيره ، فلا بد أن يكون على البدلية لا على المعية ، وإلا لزم الجمع بين النقيضان ، لأن لهم أهواء مختلفة ، ويكون فيه إشارة إلى كثرة تقلباتهم وعدم استقرارهم على شيء واحد ، ويؤخذ من الآية مع ما تقرر من القواعد ، أن من اتبع هوى نفسه فيما دون ذلك ، يتناوله بعض هذا الوعيد.
قوله تعالى : (مُسْتَقِرٌّ).
أي ثابت ، فإن أريد الثبوت في نفس الأمر باعتبار ذات الشيء ومادته ، فاسم الفاعل للحال ، وإن أريد الثبوت في العلم والاعتقاد فهو الاستقبال ، باعتبار ظهوره جاز ذلك في الدار الآخرة ، وتبين المحق من المبطل ، وللأمر ثلاثة استقرارات ، استقرار في النفس خاصة ، واستقرار في الاعتقاد والعلم خاصة ، واستقرار باعتبارهما معا ، كقولنا الله عالم ، يعلم فهذا أمر ثابت في نفس الأمر في الحال ، وأما اعتبار الاعتقاد فهو ثابت عندنا خلافا للمعتزلة ، فليس بمستقر عندهم ، وقول المعتزلة : الله عالم ، لا يعلم أمر ثابت في الاعتقاد عندهم لا عندنا ، فليس مستقر في الاعتقاد في الحال ، بل في المستقبل باعتبار تبين ذلك ظهور حقيقة إبطاله.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ).