نظرهم في هذه الموجودات يفيدهم ثلاثة أمور ، [.....] واتصافه بصفات الكمال ، ومن جملة ذلك كونه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وفي ضمن هذه جواز بعثة الرسل.
قوله تعالى : (مُزْدَجَرٌ).
الظاهر والأرجح كونه اسم مكان لا اسم مصدر ، لأن قولك هذا الموضع محل الياقوت ، أبلغ من قولك : في هذا موضع ياقوت ، كذلك قولك هذا البناء محل للازدجار أبلغ من قولك : هذا البناء للازدجار.
قوله تعالى : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ).
كونه خبر مبتدأ أحسن من كونه بدلا من مزدجر ، لأن مزدجرا أخص منه ، وبدل الأعم من الأخص ممنوع عندهم ، حسبما ذكره في قول امرىء القيس :
كأني غداة البين يوم تحملوا |
|
لدى سمرات الحي ناقف حنظل |
قوله تعالى : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) ، الأولى : أنها جمع نذر لا جمع نذير ، ليكون آخر الآية موافقا لأولها ، لأن أولها في الإيتاء ، وهي معنا من المعاني ، فيكون أخرها كذلك ، واعلم أن حصول الشبع عند الأكل عندنا أمر عادي ، واستلزم العلم للعالمية أمر عقلي ، وأما استلزام الدليل للمدلول فمذهب الجمهور أنه عقلي ، ومذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري : أنه عادي ، والآية حجة للأشعري لقوله (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) ، والفاء للتعقب ، واقتضيت نفي كون ألا يناسبها في الازدجار.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ).
التول قسمان : حسي ، وليس هو أمرا وهنا الآية [٧٢ / ٣٥٤] .... (١) ضد الألف واللام ، لأنهما لا يجتمعان أيضا ، فإذا كانت الألف واللام لا تجتمع مع ضد الياء ، وهو التنوين فهذا الألف واللام لأنهما لزم أن يكون مجتمع مع الياء ، لأن ضد الضد ليس بضد.
قوله تعالى : (شَيْءٍ نُكُرٍ).
أنكر النكرات ، فأتى به هنا قصدا للعموم والتعظيم ، وكذا أنكر شيء تنكره العقول ، والموجودات قسمان : فمنها ما ينكر ، ومنها ما لا ينكر ، كالنار فإنا نجد
__________________
(١) طمس وبياض في المخطوطة.