هريرة : خاصمت قريش رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم في القدر فنزلت الآية ، انتهى ، القدرية ليسوا مذكورين في السير ، إذ لم يحدث أمرهم إلا بعد ذلك ، وعليه قالوا إن بعض القدرية أنكر عليه أبو حنيفة مذهبه ، وقال : إنه حادث لم يكن في زمن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهو بدعة ، فقال له القدري : إن لم تسكت أسألك عن حديث كذا ، فسكت لأن أبا حنيفة لم يكن في حفظ الحديث بتلك المنزلة ، وكان بعضهم سأل القاضي أبا بكر الباقلاني عن القدرية ، أكانوا في الزمن الأول أولا ، فقال : لم يكونوا فيه ، فقال : فإذا كل واحد منهم مخالف للإبداع.
قوله تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ).
يحتمل أن يريد الثاني أو الكلام ، وهو قوله (كُنْ فَيَكُونُ) ، والخلق موقوف على الحياة والقدرة والإرادة عقلا ، وأما الكلام فمتوقف عليه عندنا سمعا لقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(١) [سورة النحل : ٤٠] ، وواحدة إشارة لعدم الفصل بين الكلام والأمثال لسرعة التكوين.
قوله تعالى : (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).
تمثيل بأقرب ما يمكن في الأمور الجليات ، وإلا فالعقل يهدي إلى أنه أسرع من ذلك وأقرب ، وفي آية أخرى (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) [سورة النحل : ٧٧] ، فأضاف وهنا فصله عن الإضافة ، فالجواب : بما قال الزمخشري : في قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) [سورة البقرة : ١٢٧] ، أن فيه التفسير بعد الإبهام واستدل على إثبات القدرة بالاتحاد في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، وبالإعدام في قوله (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، واتعاظ الإنسان بهلاك صاحبه ، أو قريبه أقرب من اتعاظه بهلاك الأجنبي ، وأكد هذا لأن المخاطب عليه مخايل الإنكار كما قال تعالى (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) [سورة المؤمنون : ١٥].
قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ).
__________________
(١) وردت في المخطوطة : إما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له فيكون ووردت في المصحف : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ، وقد أثبتنا ما ورد في المصحف.