الدبر هنا وجمعه في قوله تعالى : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [سورة الأنفال : ١٥] ، أنهم تولوا هنا منزلة رجل واحد في النزل فيكون أبلغ ، والمراد في تلك توجيه النهي لكل فرد ، وأيضا استعمل هنا الأخص في الثبوت ، واستعمل هناك الأعم في باب النهي ، وهو معنى النفي.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ).
هذا من تسمية الشيء بما يدل إليه ، لأنهم ليسوا الآن في سعر ، بل صائرون إليه ، فإن قلت : هو في استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ... (١) والسعر حقيقة وفي الضلال مجاز ، ولأن كونهم في الضلال باعتبار الحصول الحالي ..... (٢) [٧٢ / ٣٥٦] حدثني ابن أبي الموالي : أن رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، قال : " ستة لعنهم الله وكل شيء مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله تعالى ، والمستحل لحرمة الله ، التارك لسنتي ، والمتسلط في الأرض بالجبروت يذل بغير حق من أعز الله ، ويعز من أذل الله ، والمستحل من غير شيء ما حرم الله ، والمستأثر بالفيء مستحل له" ، ابن رشد : اللعن هو الطرد والإبعاد من الرحمة ، ومن لعنه فقد استوجب النار لبعده من الرحمة والفيء من قرأ بالنصب فنصبه بفعل مضمر ، يفسره الظاهر ، والآية على هذا حجة على المعتزلة ، فإن أفعالنا شيء فهي مخلوقة لله تعالى لدخولها في عموم كل شيء ، قال : ومحتمل أن يكون العامل فيه قدرنا ، ويكون خلقناه صفة بشيء ، فلا يكون حينئذ دليلا على بطلان قول المعتزلة ، قال : ومن قرأ بالرفع فذكر ابن عطية : فيه وجهان :
أحدهما : أن كل شيء مبتدأ وخلقنا وخبره ، وعلى هذا يكون حجة على المعتزلة.
والثاني : أن كل شيء مبتدأ وخلقناه صفة بشيء ، وبقدر خبر أي كل شيء مخلوق لنا فهو يقدر ، وعلى هذا يكون حجة للمعتزلة ، وأورد الفخر سؤالا : كيف صح جعل كل شيء مبتدأ وهو نكرة؟ وأجاب : بأن فيه معنى العموم ، وقالوا : والنصب في الآية أرجح لأن الرفع يوهم أن يكون خلقناه صفة فيتوهم أن مفهومه أن بعض الأشياء غير مخلوق ، ولا مقدر ، ابن عطية : قال ابن عباس : إني أجد في كتاب الله قوما (يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ، لأنهم كانوا يكذبون بالقدر ، ويقولون : المرء يخلق أفعاله ، وأني لأراهم ، فلا أدري لشيء مضى قبلنا ، أو شيء بقى ، وقال أبو
__________________
(١) كلمة غير واضحة بالمخطوطة.
(٢) طمس في المخطوطة.