قدمت الشمس على القمر لأنها أعظم جرما ، وضوء القمر مستمد من ضوء الشمس باعتبار العادة ، والأمر التجريبي من الكسوفات ، وغيرها لا بالطبيعة كما يقول أولئك ، وعلم الكسوفات ليس من الغيب في شيء ، قال ابن عطية : قال ابن زيد : لو لا الليل والنهار لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا ، قال ابن عطية : يريد من مقادير الزمان ، قال ابن عرفة : فإن قلت : أهل الجنة لا ليل عندهم ولا نهار ، فكيف صحة المندبة علينا في الدنيا ، فقال : الليل عندنا نحن لأنا مكلفون بالأعمال ، وأهل الجنة ليسوا مكلفين بشيء ، ونجد الناس في الدنيا إذا كان منهمكا في شهواته ولذاته ، يذهل عن الأوقات ولا يعرف ليلا ولا نهارا ، فأهل الجنة مشغولون بلذاتهم وتنعماتهم ، لأن الدار ليست دار تكليف بوجه ، قيل لابن عرفة : هلا كانت الشمس إذا وصلت حد المغيب ترجع حين ترجع إلى حد المغيب ، فيعلم بذلك الأوقات ، فقال : هذا ممكن ومعرفة ذلك بالليل والنهار ، أمكن وأجل ، وقال الغزالي : ما في الإمكان أبدع مما كان ، يعني أن خلق هذا العالم لا يمكن أن يكون أحسن من هذه الصفة التي هي مخلوق عليها ، وسبقه لذلك عبد العزيز بن مكي في الحياة وألزموه الناس على هذا الكفر ، وأنكره ابن العربي عليه وغلطه في ذلك ، ذكره في سراج المريدين ، وأنكره عليه أيضا أهل الأندلس ، وكان ابن حمد نص حرف الإحياء لأجل ذلك.
قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ).
إن قال : إن قلت : الآية المتقدمة العام على الإنسان لما يرجع لذاته ، ولما هو خارج عنه ، وهذه ليس في إنعام ولا امتنان ، وإنما هي إخبار عن كمال افتقار كل الحوادث إليه ، فأجاب ابن عرفة : بأن قيمة إيماء وتذكيرا بدلالة أخرى ، لأن من جملة النعم التي أنعم بها على الإنسان العمل ، وهو مسلوب عن النبات والجمادات ، فإذا كانت تسجد وتضع له فأحرى الإنسان.
قوله تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها).
قال ابن عرفة : قلت : ما الحكمة في رفعها مع أنه معلوم إذ لا فائدة في قول القائل : السماء فوقنا والأرض تحتنا ، فالجواب : [٧٢ / ٣٥٧] من وجهين :
الأول : أن في الآية وعظا وتكليفا ، والوعظ رفعه السماء إذ هو دليل على اتصافه بالقدرة وشدة البطش والتكليف ، فوضع الميزان وهو العدل في الأرض.
الثاني : أنه دليل على رفعها بغير عمد ، كما قال تعالى (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) [سورة الرعد : ٢] ، بخلاف ما قيل ، والسماء يحتمل أن يكون الرفع لها