الأول : السؤال ما يرد إلا على قول من يقول : إن الموجود مشترك بين الجميع ، وليس هو غير الموجود ، وأما على القول بأن الوجود عين الموجود ، فيكون لكل واحد وجود مفرد يخصه ، فتعددت الوجودات فهي حينئذ [...] متعددة ، وهو الصحيح.
الجواب الثاني : أنه من عليه بنعمة الإيجاد ، ونعمة كيفية الإيجاد ، قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [سورة التين : ٤] ، إذا كان قائلا على أن يخلق على صورة حمار ، قال ابن عرفة : وكرر هذا اللفظ في هذه السورة لأمرين : إما لأن كل واحدة نعمة راجعة لما قبلها ، فهي تأسيس لا تأكيد ، وإما بأنها تأكيد كذا قال ابن عطية ، وقال القرافي في شرح المحصول في اللغات ، قال الشيخ عز الدين بن عبد السّلام : أجمع الأدباء على أن التأكيد ، لا يكون أكثر من ثلاث مرات ، وقال في شرح [...] اتفقوا على كذا ، ولم يقيده بالأدباء.
وقال ابن عرفة : إنما ذلك في المتواليات ، وأما حيث يقع الفصل فيحسن تكرار التأكيد خشية نسيان المخاطب ، وذهوله بالفاصل عن استحضار مدلوله التأكيد ، قال : فما ورد في سورة الرحمن ، إنما هو تأسيس لا تأكيد ، قلت : وقال ابن السيد : في سؤالته ، وأما قوله في آخر كل آية من هذه السورة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، فاعترضه الملحدون بأن الآلاء النعم ، فكان يجب أن لا يذكر إلا بعد ما فيه نعمة مع أنها ذكرت بعد قوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) ، قال : والجواب عنه : أن من أنذرك وخوفك من عاقبة ما تصير إليه فقد أنعم عليك ألا تراه ، قال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [سورة الأنبياء : ١٠٧] ، وقد علمنا أنه [...] لمن آمن ، وقدم لمن كفر فحصل الإنذار رحمة كما جعل البشير ، وكذلك قوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) [سورة الرحمن : ٢٦].
وقوله تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) ، فيه إنعام على الخلق ، حين علمهم ما كانوا يجهلونه ، وحذرهم ما يمرون إليه ، وقد جعل الله التحذير مرادفة ، بقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [سورة آل عمران : ٣٠] ، انتهى.
قوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ).
قال ابن عطية : قال مجاهد : ما له شراع فهو من المنشآت ، وما ليس له شراع فليس من المنشآت ، قال ابن عرفة : الشراع القلع ، وما يشبه الأعلام ، إلا إذا كانت بالقلاع ، فيظهر من بعيد كالجبل ، وحينئذ فيكون فيها كمال الاتعاظ ، وأفاد أن هذا