إن قلت : ما أفاد مخلدون؟ قلت : لأن صفة ولدان عارضة يسرع زوالها بصيرورتهم رجالا وشيوخا ، فأفاد ذلك وصفهم في الخلود في هذا الوصف.
قوله تعالى : (بِأَكْوابٍ).
هو أحسن الأواني ، وهو في المشرق كثير يسمونه القاضي ، والترتيب في هذه المذكورات تدلي ، لأن الأكواب فسروها الجرار ، فهي أكبر عن الأباريق ، والأباريق أكبر من الكؤوس ، قال الغزالي في آخر كتابه الإحياء : من يشتهي الولادة في الجنة يولد له ، وقال عبد الحق : في العاقبة : يمكن أن تحمل وتلد ويشتد الولد في ساعة واحدة ، ولكنهم لا يشتهون ذلك ، انتهى ، وهذا أمر توقيفي لا يصح الخوض فيه إلا بنقل صحيح.
قوله تعالى : (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ).
إن قلت : هلا قيل : مما يختارون ، لأن تفعل يقتضي تكلف الفعل ، واختار يقتضي مجرد وقوع الفعل دون تكلف ، قلت : المراد لازم التكلف ، وهو كون الشيء المختار في أعلى درجات الحسن ، فهي دلالة التزام لا دلالة مطابقة ، وعكس الفخر ، وليس بصواب ، فإن قلت : لم خص التخيير بالفاكهة ، والشهوة بلحم الطير ، قلت : لأن ما يتفكه به يكون متنوعا متعددا ، فتناسب التخير بخلاف لحم الطير ، وأيضا فإن الفواكه قربته منهم ، فإنها في الأشجار بين أيديهم ، والطير بعيد عنهم ، والعادة أن الشيء إذا كان قريبا فإن الإنسان يسأم منه ، وعمل فيتخير فيه بخلاف ما هم بعيد ، فإنه لا يخير فيه بل يشتهيه.
قوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ).
قرئ وحور عين فلعله مراعاة لعين ، وإلا فحور جمع حورا على وزن حمر ، وهو جمع على حمى.
قوله تعالى : (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ).
إن قلت : لم أتى هذا على الوجه الأضعف في التشبيه ، لأن الأبلغ فيه قولك : أسد ، ثم قولك : زيد كالأسد ، فالجواب : أنهن لا يشبهن اللؤلؤ إلا في وجه واحد ، وهو صفاؤه وإشراقه ، لا في جميع صفاته ، لأن منها كونه دقيق الحلقة ، جمادا لا يعقل ، وجمع أمثال لجمع الحور.
قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً).