هذا يعبر عنه البيانيون ، لأنه من باب نفي الشيء بإيجابه ، مثل" على لاحب لا يهتدى بمناره ، وأن شئت قلت في العبارة : أنه من باب نفي الشيء نفي [٧٣ / ٣٦١] لازمة ، والمعنى واحد لأن قوله لا يهتدى بمناره ، يوهم في الظاهر أن له منار ، أو كذلك قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) ، يوهم أن فيها لغوا وتأثيما غير مسموع لهم ، والمقصود أنه ليس هو فيها بالأصالة ، وفي سورة الطور (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) [سورة الطور : ٢٣] ، فلا يقال : لا يلزم من نفي السماع نفي الوقوع ، وذكر عدم السماع ، لأن ما بعده وهو سماع السّلام ، وهذا كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) [سورة المائدة : ٩٦] ، فيقال : ما أفاد ذكر السيارة مع دخولهم في مدلول لكم؟ فيجاب : بأنه ذكر لأجل ما بعده من ذكر ، ولما كان السيارة بفرضيته الترخص والتخفيف عليهم نص عليها مع دخولهم في قوله تعالى : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) [سورة المائدة : ٩٦] ، واللغو أعم من التأثيم ، لأنه قد لا يكون فيه إثم فقدم عليه كما قدم في قوله تعالى : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [سورة الكهف : ٤٩] ، وقوله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) [سورة الأنعام : ٣] ، لأفاد المساواة بين اللغو والتأثيم أو ليدل الكلام مرتين بالمطابقة والالتزام.
قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ).
كررها في أول السورة وهنا ، فهو إما أجمل أولا وفصل هذا ، وذكره أولا من حيث الإجمال ، وهنا من حيث الجزء المرتب عليه ، والمراد أما من يأخذ كتابه بيمينه ، أو أصحاب اليمين محلهم عن يمين العرش ، والأول أظهر ، وقال عياض في الإكمال في كتاب الإمارة في حديث : " المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن (١) " ، قال المفسرون : أصحاب اليمين أصحاب المنزلة الرفيعة ، وقيل : يسلك بهم يمينا إلى الجنة ، وقيل : لأن الجنة عن يمين الناس ، وقيل : سموا بذلك ، لأنهم ما يبين على أنفسهم ، وبعده أصحاب الشمال ، وقيل : لأن أودعهم أول الخلق جانب آدم ، واليمين ، وبعده أصحاب الشمال ، انتهى ، والمناسب حمله على مطلق الصحة ليتناول الملازم من باب أحرى ، وذكر السدر إما لما قالوه : أن بعض الناس يتمنى أن
__________________
(١) أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد والرقائق حديث رقم : ١٤٦١ ، والحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة حديث رقم : ٢٤٧٣ ، وفي معالم التتريل حديث رقم : ٣٩١ ، وابن زنجويه في الأموال حديث رقم : ١١ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٤٥٧٥.