الأمور القطعية ، الاعتقادية انتهى ، يرد بلزومه في عز هذا ، لأن كثيرا من قواعد أصول الدين استدلوا فيها بالأدلة السمعية ، ويجب الإيمان بها ، وقبولها إلا أن يقال : إن الأدلة السمعية كثرت وانضاف إلى هذا الدليل السمعي دليل آخر حتى صار قريبا من القطعي ، فحينئذ يتم ذلك ، وإنما جاء هذا من تفسير الباطن لما قال الزمخشري ، وأما على تفسير ابن عطية : فيسقط احتجاجه بالآية ، ويجاب نصا : بأن هذه الصفة عامة في الأشخاص مطلقا في الأزمنة والأحوال ، فيصدق وصفه بالباطن على نفي الرؤية في الدنيا فقط ، وله أن تجب بأن هذه الصفات المعنوية التي لا تقارن الذات فيستحيل عليها التبدل والزوال ، وقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [سورة الأنعام : ١٠٣] ، احتج بها المعتزلة على نفي الرؤية ، وأجاب أصحابنا : بأنه إنما نفى الإدراك ، وهو أخص من مدرك الرؤية ، وإنما يلزم نفي الرؤية ، إن لو قال : لا يناله الأبصار ، فإن قلت : الحكمة إدخال الواو فهلا قيل : (وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) ، فالجواب : أن الصفات عندهم إذا كانت متقاربة المعنى كانت بغير واو ، وإن كانت متضادة المعنى فصل منها الواو في الآية ، قلت : معناها الجمعية ، انتهى ، أراد أنك إذا قلت : رأيت زيدا الخياط الحسن الفاره ، أفاد الجمعية في الذات بمعنى أنه جمع هذه الأوصاف ، وأن قلت : الخياط والنجار والحسن ، أفاد الجمعية في لذات ، بمعنى أنه في كل زمن له حسن ، وخياطه ، وفراهة ، والله سبحان وتعالى موصوف بالأزلية حين اتصافه بالآخرية ، وموصوف بالظهور حين اتصافه بالخفاء ، قالوا : والأولى والثانية للجمع بين الصفتين ، والواو الثانية للجمع بين مجموع الصفتين الأوليين ، وبين مجموع الصفتين الآخرتين ، وهذا احتراز من أن تكون الثانية للجمع بين الصفات الثلاث ، والواو الثالثة للجمع بين الصفات الأربع ، فقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) ، جملة أصل في نفسها مستقلة ، وقوله (وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) ، جملة أخرى مستقلة ، فعطف الباطن فيها على الظاهر من عطف صفة مفردة على صفة مفردة ، ثم جمعت الواو بين الجملتين ، فتقول : جاء زيد الخياط ، والنجار ، والنساج ، والجزار ، لأنه لا يمكنه الجمع بينها في زمن واحد ، وتقول : جاء زيد المصلي ، الصالح ، الداري ، الخاشع ، لاجتماعها فيه في زمن واحد ، وانظر ما قال الزمخشري في قوله تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) [سورة غافر : ٣] ، وما ذكروا في قول الشاعر :
النازلين بكل معترك |
|
والطيبون معاقد الأزر |
وتكلم عليها السماكي.
قوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).