عليها وعلى ذريتهما ، قلت : ذريتهما داخلون في لفظ الرسول من قوله تعالى : (بِرُسُلِنا) ، فهم متبعون لا تابعون ، ويجاب باللفظ الذرية علم يشمل الأنبياء والرسل ، لقوله (فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) ، فهو محصول فيه ، ليكون هذا الضمير عائدا على بعضه ، وهم ذووا النبوة فقط ، أي ثم قفينا على آثار نوح وإبراهيم ، ومن نشأ من ذريتهما بالرسل ، وإعادة لفظ قفينا. [٧٥ / ٣٦٩] وفي المعطوف تأكيدا ، ولأجل ذلك عطف بالواو دون ثم.
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً).
جعل عند أهل السنة بمعنى خلق ، وعند المعتزلة بمعنى صير ، ابن سلامة : الرأفة والرحمة يشتركان في رقة القلب ، واختلف فيما يمتازان به فقيل : الرأفة أخص من الرحمة ، وقيل : الرحمة أخص ، وقيل : إنهما متغايران ، فالرأفة الامتناع من المكروه ، كامتناعك من ضرب زيد رأفة عليه ، والرحمة إيصال الأمر الملائم كتصدقك على زيد رحمة له ، وقال شيخنا : الرأفة هي أن تزيل عن الشخص ما يكرهه ، مع بقاء تألمك منه ، والرحمة أن تزيل عنه ذلك من غير تألم في نفسك ، وهذا كحنانك على ولدك المسجون ، وعلى أجنبي مسجون ، وهو موافق لما ذكروا في الآية ، من أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين فبعضهم قاتلهم ، وبعضهم جلس بين أظهرهم مؤمنا ، ولم يقاتل وبعضهم خرج عنهم وانقطع للرهبانية ، فالمقاتلون اتصفوا بالرأفة لدين الله ، والجالسون اتصفوا بالرحمة ، والمنقطعون ترهبوا ، وجعل الفارسي رهبانية منصوبا بفعل مضمر ، أي وابتدعوا رهبانية ، ولم يعطفه على رأفة ورحمة اعتزالا منه ، لئلا يكون مجعولا لله ، لأن الرأفة والرحمة من الصفات الكليّة ، فهي داخلة تحت القدرة القديمة يصح كونها مجعولة لله ، والرهبانية من الصفات الكتبية التي هي عندهم من متعلق الحادثة ، فكانت من فعل العبد ، فلذلك لم يعطفها على معمول جعل ، وتكلم عليها ابن هشام في شرح الإيضاح في باب الاستقبال ، وابن عصفور في شرحه أيضا بطويل من الكلام ، وعلل الفارسي ما ذكره في الإيضاح بقوله : لأن الرهبانية لا يستقيم حملها على جعلنا مع وصفها بقوله : ابتدعوها ، لأن ما يجعله هو تعالى لا يبتدعونه هم ، ابن عصفور : جعل مفسروا هذا الكتاب هذا التعليل منه مبينا على أصول المعتزلة ، إن ما يفعل العبد مقدور له فلا يفعله الله لاستحالة مقدر بين قادرين ، وما ذكروه ليس كذلك ، بل إذا ذابوا على أن ما يجعله الله تعالى في القلوب لا يوصف العبد بأنه اخترعه في عرف لغة العرب لا حقيقة ولا مجاز ، أو لو أراد ما يتوهمونه لقال : لأن ما يجعله هو تعالى حقيقة لا يوصفون بابتداعه على طريق الحقيقة ، ولا