انتهى ، قال شيخنا : ولا يخالف ما ورد في الحديث : من نزوله الأرض في آخر الزمان لاحتمال أنه يجيء حينئذ بعد موته ، وينزل إلى الأرض ، وانظر كلام ابن عطية في سورة آل عمران في قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) [سورة آل عمران : ٥٥].
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ).
ابن عطية : قيل : المخاطب بها أهل الكتاب ، أي يأيها الذين آمنوا بعيسى آمنوا بمحمد ، وقيل : الخطاب للمؤمنين من أمة محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، أي دوموا على إيمانكم ، انتهى ، فالأمر على هذا بالإيمان مجاز ، بمعنى الدوام ، هذا إن قلنا : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، وإن قلنا : أنه يزيد وينقص فيكون الأمر بالإيمان حقيقة ، والآية دليل على أن الأمر للتكرار ، إذ لو لم يكن التكرار لكان للمرة الواحدة ، ولو كان للمرة الواحدة للزم عليه لحوق الرحمة ، والثواب للمزيد ، وهو باطل بالإجماع ، فدل ذلك على أن الأمر بالتقوى والإيمان للتكرار والدوام عليه إلى الموت ، ورد هذا بوجهين :
الأول : أنه معارض بأن تقول ما ذكرته من الدليل ، وإن دل على ثبوت الحكم في صورة النزاع فتم ما تبينه ، وهو من مات إثر إسلامه فإنه تناله الرحمة والثواب إجماعا ، ولو كان الأمر للتكرار للزم عليه ألا ينال ذلك إلا من تكرر منه الإيمان ، وأجيب : بوجهين :
الأول : أن ذلك إنما أتى من مفهوم الآية ، وهو أن المعنى آمنوا إيمانا دائما متكررا ، ودليلنا نحن مستفاد من منطوق الآية ، والمنطوق مقدم على المفهوم.
الثاني : أن دوام كل شيء يحس فهذا دوام حكمي لا وجودي ، فيدخل في ضمن الآية.
الوجه الثاني من الردين أن الخلاف إنما هو حيث يرد لفظ الأمر غريبا عن القرائن ، وهذا السياق يدل على أنه للتكرار ، أجيب : بأنه في اللفظ ما يدل عليه ، وإنما القرينة من خارج تخصصه أو تقيده ، وذلك لا يمنع من جواز حمل اللفظ على التكرار ، وقد قال الجدليون : جواز الإرادة موجب للإرادة ، فجواز إرادة التكرار موجب لإرادة التكرار ، بل التكرار مستفاد هنا من لفظ الأمر ، لأن المراد بقوله (آمَنُوا) ، حصلوا الإيمان الشرعي ، وإلا الشرعي هو الدوام عليه ، أجيب : لأنه ليس كذلك ، بل المرتد قد حصل الإيمان الشرعي.