قوله تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ).
وفي سورة النساء (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) [سورة النساء : ٨٥] فجعل النصيب جزاء عن الحسنة ، والكفل جزاء عن السيئة ، وهنا جعله في جزاء السيئة ، والجواب : أن الجمع بين الآيتين ينتج أن الكفل أعم يصدق على جزاء السيئة ، وجزاء الحسنة ، والنصيب خاص بجزاء الحسنة ، ومن في رحمته إن كانت للسبب فالرحمة بمعنى الإرادة ، أي ينبئكم عليه ، بسبب إزادته ذلك ، وإن كانت للتبعيض فالرحمة راجعة لصفة الفعل.
قوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً).
إن قلت : دفع المؤلم أكد من جلب الملائم ، وإيتاء الرحمة وجعل النور أمر ملائم ، والمغفرة من باب دفع المؤلم ، فهلا قدمت؟ فالجواب : أنه من عطف الترقي.
قوله تعالى : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إن قلت : الرحمة سبب ، فهلا قدمت عليها؟ قلت : المغفرة راجعة لدفع المؤلم ، والرحمة لجلب الملائم فلذلك أخرت ، وقال السماكي : لأن المغفرة سلامة ، والرحمة غنيمة والسلامة مطلوبة قبل [٧٥ / ٣٧٠] الغنيمة ، ثم قال : فإن قلت : لم ذكر في سبأ في قوله تعالى : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سورة سبأ : ٢] ، فأجاب : بأن ذلك منتظما في تعداد الخلق من المكلفين ، وغيرهم ، فالرحمة تشمل لهم جميعا ، والمغفرة تخص بعضا دون بعض ، والعموم قبل الخصوص.
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ).
إن قلت : فيها حجة على المعتزلة في قولهم : إن العبد يخلق أفعاله ، قلت : لا دليل فيها لوجهين :
الأول : اتفاقا على أن قدرة العبد قاصرة عليه ، ولا تعرف له في قدرة غيره ، والقدرة هنا منسوبة لله تعالى ، أي هم عاجزون عن كل ما تفضل الله به.
الثاني : أن المراد من قوله (مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، الحكم بالشيء من ثواب عقاب ونصرة ، وغير ذلك ، فيكون أمرا حكيما لا أنه فعل وجودي ، فإن قلت : فيها دليل على أن أهل الكتاب عناد لاقتضاء أنهم سيعلمون بنصرة المؤمنين عليهم عجز به عن