قوله تعالى : (فِي الْأَذَلِّينَ).
أخص من قولك أولئك أذلاء ، ووصف الذلة مقابل لوصف محادتهم ، فإن قلت : ظاهرها يوهم كون الشيء ظرفا لنفسه ، لأن الأذلين هم المحادون لله ، قلت : المعنى على التجوز في جملة الأذلين في العذاب.
قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَ).
ابن عطية : أي قدر ذلك وإراده في الأزل ، الزمخشري : كتبه في اللوح المحفوظ ، انتهى ، هذا جار على مذهبه ، لأنه ينفي الإرادة في الأزل لكنه أقرب إلى ظاهر اللفظ وعلى تفسير ابن عطية يكون الكتب مجازا ، ودخلت اللام في (لَأَغْلِبَنَ) لتضمن الفعل معنى الإرادة ، وهي لا تقع جوابا إلا بعد أفعال القلوب ، فإن قلت : لم أتى هذا الفعل بهمزة المتكلم وحدة؟ وهلا كان بالنون لأنها للمتكلم ، ومعه وغيره ، أو للمعظم نفسه ، ولا أعظم من الله عزوجل ، فالجواب : أنه عدل عنها خشية إيهام الاشتراك في الغلبة لقصد التنبيه عليه باستقلال الله تعالى واختصاصه بالغلبة دون وزير ولا معين.
قوله تعالى : (قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
القوة راجعة للقدرة ، العزة بمعنى أنه مستغن بإرادته وعلمه وممتنع عن الاحتجاج إلى غيره.
قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً).
قيل : إنها نزلت في المنافقين ، وقيل : في حاطب بن أبي بلتعة من المؤمنين ومخاطبته أهل مكة ، وحديثه في مسلم ، في كتاب فضائل الصحابة وذكره الزمخشري في أول سورة الممتحنة ، وجعله هنا من التخيل ، وقال ابن عطية : المراد يؤمنون الإيمان الكامل ، انتهى ، وتحقيقه إما إن قلنا : أنها نزلت في المنافقين فينفي وجدان الموادة حقيقة ، معناه لا تجد مؤمنا يواد من حاد الله ورسوله من حيث كونه يحادد إليها مكافأة عن يد سلفت ، أو نحو ذلك ، فحينئذ لا يكون المراد نفي الوجدان حقيقة ؛ لأن ذلك قد وجد في المؤمنين ، كحاطب ونحوه ، فيحتاج إلى أحد أمرين : إما أن يجعله تخيلا ، فالمراد نفي المراد الإيمان الكامل ، ويؤخذ من الآية عدم تزويج الكتابية ، لأن التزويج ملزوم للمودة ، لقوله تعالى : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم : ٢١] ، وتقديره أن الكتابية محادة لله ورسوله ، وكل من حاد الله ورسوله لا يواد فالكتابية لا تواد ، ثم تقول الزوجة تواد ، وكل من يواد لا يكون كافرا لزوجة لا تكون