نقيضان مهما عدم أحدهما وجد الآخر ، فالحمل قبل نفخ الروح فيه ميت ، لأنه ليس بحي انتهى ، إن قلت : وكذلك الجمادات كلها ، قلت : لا يقال ميت إلا فيما وقائل للحياة إلا أن يكون مثل قول الحائط ، لا يبصر ويكون من السلب والإيجاب لا من باب العدم والملكة بخلاف قولك : زيد لا يبصر ، وقال الفخر : هنا في بعض النسخ ما حاصله ، أن الحياة أمر عدمي وهو إعدام الموت ، والموت أمر وجودي انتهى ، وهو هوس باطل ، لأن الله تعالى موصوف بالحياة لا بالموت بإجماع ... (١) ، أنها وجودية لاستحالة اتصافه بالعدم ، ومن يدع التفاسير ، قول القرطبي : إن الموت هنا فرس ، والحياة رجل راكب عليه ، ولقد أجاد الزمخشري في قوله تعالى : (خَلَقَ) موتكم وحياتكم ، وفي الآية من أنواع البيان المطابقة ، قال ابن ملك في المصباح :
المطابقة أن يجمع في كلام بين متضادين ، وهي على ثلاثة أضرب : الأول : ما لفظاه حقيقيتان ، وهي مطابقة بين محسوسين مثاله في الإيجاب ، قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) [سورة الكهف : ١٨] ، وقول الشاعر :
أما والذي أبقى وأضحك |
|
والذي أمات وأحيا |
وفي السلب قوله تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الروم : ٦] ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا.
الثاني : ما لفظه مجاز كقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [سورة الأنعام : ١٢٢] ، أي ضالا فهديناه ومثله :
حلو الشمائل وهو مر باسل |
|
يحمي الذمار صبيحة الإرهاق |
الثالث : ما أخذ لفظيه حقيقة ، والآخر مجاز كقول أبي تمام :
له منظر في العين أبيض ناصع |
|
ولكنه في القلب أسود أسفع |
والطباق في الآية بين معنيين ، وذكر هذين الطرفين لأنهما أصلا كل شيء ، فيدل على اتصافه بخلق ما ود ذلك من الألوان والطعوم والروائح من باب آخر ، أو اللام في ليبلونكم للتعليل ، وهو على مذهب المعتزلة ، واجب ظاهر وأما على مذهبنا أفعال الله غير معللة ، والمتكلم تارة يذكر العقل معللتان بأمر واجب لا بد منه ، وتارة يذكره بأمر جائز فتقول لمن ضغطه الأسد ولا نجاء له منه ألا يسلم يصعد به على السطح أصعد في السلم لينج من الأسد ، وتقول لولدك : افعل لي كذا لأعطيك درهما ، وأنت قادر
__________________
(١) بياض في المخطوطة.