المجرمين كالمسلمين ، وإنما روعي فيها مناسبتها لما قبلها ، لأنه لما قال في آية المجرمين (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) [سورة الزمر : ٢٦] ، فأتى فيه مطلقا غير محصور فيهم وعقبه بقوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) ، أتى بهذا التشبيه نفيا لما قد يتوهمه أحد من أن ذلك العذاب قد ينال المتقين بعضه وإن قل أي فنجعل المسلمين في العذاب كالمجرمين ، أي ليسوا مثلهم في لحوق العذاب فلا يلحقه منه شيء البتة ، قيل : أفتجعل المتقين ، وقال الزمخشري : معناه الحد في الحكم عليكم ، فنجعل المسلمين كالمجرمين ، فإن قلت : هلا قيل : أفنجعل المتقين كالمجرمين ، قلت : كلما ناقض الأعم شيئا ناقضه الآخر.
قوله تعالى : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
أم لكم كتاب هذا الترتيب على ما يقوله الأصوليون من أن المنقولات السمعيات فرع للمعقولات ، أي هل لكم على دعواكم دليل عقلي نظري أم لكم دليل سمعي نقلي وجدتموه في كتبكم الذي تدرسونها.
قوله تعالى : (فِيهِ تَدْرُسُونَ).
لم يقل : فيه تدرسون ، فأجاب بعضهم : بأن الغزالي في المستصفي في باب الاجتهاد ، وإمام الحرمين في البرهان : أن المجتهد لا يجب عليه حفظ القرآن ، وإنما يطلب بحفظ آيات الأحكام فقط ، قال الغزالي : وهي خمس مائة آية ولا يلزمه حفظ آيات القصص والأخبار ، وعبر بالدرس دون الحفظ أو القراءة إشارة إلى يقولون : من أن العلم لا يحصل إلا بالتكرار والممارسة والدراسة ، وكذا حكى ابن سهل في أحكامه : أن اللؤلؤي سئل عن من يوصي بعبده لبعض ورثته ، إن أجاز باقيهم ، فإن لم يجيزوه له فقد أوصى بعتقه من ثلثه ، فأفتى بأن الوصية ماضية وخطّأه فيها ابن زرب وغيره ، والمسألة منصوصة في المدونة في آواخر العتق ، الثاني : قال ابن سهل وما سبب ذلك إلا أنه كان في آخر عمره ، ترك دراسة العلم ومطالعة الكتب لكبر سنه فنفى كثيرا من مسائله ، وحكى المازري في العلم في حديث : " من اغتصب شبرا من أرض طوقه الله من سبع أرضين" (١) ، أن شيخه عبد الحميد الصائغ انقطع في آخر عمره للعبادة ، حتى كان إذا سئل عن بعض المسائل ، يتوقف فيها ويحيلنا على غيره.
__________________
(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان حديث رقم : ٥٢٢٦ ، وفي السنن الكبرى حديث رقم : ١٠٧١٦ ، وأبو داود الطيالسي في مسنده حديث رقم : ٢٣٣ ، وأبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة حديث رقم : ٢٩٨٤.