نار يكوى بها جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة انتهى ، إن أراد أن هذا هو ظاهر لفظ اليوم ، فلا حاجة إلى استدلاله بالحديث على الآية ، وإن أراد أن هذا هو الذي يتأول عليه ، وفيهم مدلوله ومعناه عليه ، فكما تأويله في الآية فكذلك يتأوله في الحديث ، وعبر بالسنة دون العام لخروج الآية مخرج التخويف ، فإن قلت : ما فائدة كان ، وهلا قيل : في يوم [٨٠ / ٣٩٩] مقداره خمسين ألف سنة ، فالجواب من وجهين :
الأول : المعنى جعله الله في الأزل قدر خمسين ألف سنة ، الثاني : الماضي محقق الوقوع ، فالمراد أن هذا اليوم ثبت تقديره بذلك ، واستقر بحيث لا يتوهم فيه تغيير ولا نقص ولا تبديل ، كما أن قول الصادق منا : قام زيد محقق الوقوع ، بخلاف قوله : يقوم زيد فإنه قد يبدأ له أو يمنعه منه مانع.
قوله تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي).
من التمني في المستحيل الوقوع والممكن الوقوع ، والترجي لا يكون إلا في الممكن ، والمحبة إلى الترجي أقرب ، فهل الود راجع إلى معنى التمني أو المحبة ، والظاهر الثاني أن لا يقال فيما يستحيل وقوعه ود فلان كذا ، فإن قلت : قد قاله هؤلاء ، قلت : هذا مستحيل في نفس الأمر ، وهو في اعتقاد هو جائز ممكن غير مستحيل ، ولو إن كانت بمعنى إن ، فالمعنى يود المجرم الافتداء من العذاب ببنيه ، وإن كان شرطية فالود متعلق بملازمته الشرط للجواب ، أعني أنه متعلق بتقدير الافتداء ، أي يود والمجرد تقدير أنه يفتدي ويقبل منه الفداء ، أعني يود أن يكون ذلك جائزا ممكنا ، فهو أدق من الأول ، لأنه على الأول يكون الافتداء غير واقع ، وهذا الترتيب يمكن أن يكون متدليا وأن يكون توقيا ، فتقدير التدلي أن البنين أحظى وأحظ للنفس ، والزوجة أحب من الأخ ، بدليل جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا بخلاف زوجته ، ويتفرد أيضا بأن الابن أقرب من غيره ، بدليل منع الأب من التصرف في ماله ، وإذا سرق الأب من مال ولده لا يقطع ، فحكم الأب على ابنه أقوى من زوجته ، والزوجة تليه بدليل منه كامل التصرف فيما زاد على الثلث من مالها إلا بإذن زوجها ، والأخ بعد ذلك لأنه ليس لأخيه عليه حكم ، لكن هذا تقرير فقهي ، وهذه الأمور إنما تجري على الأحكام اللغوية أو العرفية ، وتقريره أنه ترقى من وجهين :
الأول : أنه اعتبر المعطوف والمعطوف عليه جملة ، فجعل أنه يود أن يفتدي من عذاب يوم ببنيه فقط أو يفتدي عوضا عن ذلك مجموع صاحبته وأخيه وفصيلته ، وهو أشرف من الأبناء باعتبار الكثرة والتعدد ، أو يود أنه يفتدي من العذاب ببنيه والزوجة ،